قبل عام، أكمل الثلاثيني الأفغاني، وسيم الله مجدد، استعدادته من أجل اللحاق باثنين من أقربائه سبقاه في الوصول إلى ألمانيا، في رحلة بدأت من إيران، التي نقله إليها سمسار أفغاني، قام بتهريبه من أراضيها بصحبة 10 آخرين إلى تركيا، ومنها رافق مهاجرين من جنسيات أخرى وعائلات سورية إلى اليونان، من أجل الحصول على وثيقة “خارطية”، تمكنهم من تحقيق هدفهم في الوصول إلى ألمانيا والحصول على اللجوء فيها.
يتحدث وسيم الله اللغة العربية، بعد أن تعلمها على يد مدرس عربي في مدرسة دينية في أثناء إقامته والعائلة في مخيم بمدينة بيشاور، شمال غربي باكستان في زمن الحرب السوفييتية الأفغانية. غير أن لغته العربية لم تسعفه في الإجابة عن أسئلة مترجمة سورية كانت ترافق الشرطة اليونانية، حول أشهر الأطباق الشامية وكلمات النشيد الوطني، مما كشف انتحاله الجنسية السورية، ليتم ترحيله إلى تركيا ومنها تمت إعادته إلى كابول في مغامرة كلفته 9 آلاف دولار، كما روى لـ”العربي الجديد”.
مهربون في كابول
في إحصائية موثقة، تكشف وزارة الداخلية الألمانية عن تسجيل 150 ألف طلب لجوء من أفغانستان في العام 2015، مما يجعل الأفغان في المرتبة الثانية في عدد اللاجئين بعد السوريين الذين بلغ عددهم 161 ألف لاجئ. ووفقا للإحصائية، فإن عدد اللاجئين الأفغان في ألمانيا، ارتفع في العام 2015 بشكل كبير مقارنة بعام 2014 الذي بلغ فيه عدد الأفغان الذين تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا نحو 9700 أفغاني، وهو ما يعتبره رئيس البنك المركزي الأفغاني، خليل صديقي، ظاهرة سلبية، قائلا لـ”العربي الجديد”، “رحلات الهجرة غير الشرعية تؤثر على الوضع الإقتصادي الهش في البلاد، إذ إن كل أفغاني يخرج من البلاد ينفق ما يقارب عشرة آلاف دولار على رحلته، بخلاف ما يحمله معه من نقد أجنبي”.
وبحسب ما وثقه معد التحقيق، فإن عملية تهريب الأفغان إلى أوروبا تتم بدءا من العاصمة الأفغانية، إذ يدفع المهاجرون مبالغ تتراوح بين 5 إلى 6 آلاف دولار لسماسرة، بطريقة التقسيط ليحصل المهرب الأفغاني على آخر دفعة بعد وصول المهاجر إلى ألمانيا. ويعمل المهربون تحت ستار مكاتب تعمل في مجال استيراد البضائع من الخارج. “ولديهم مندوبون في العاصمة كابول، يعملون في سوق الصيرفة المعروفة بسراي شهزادة”، وفقا لما يؤكده السمسار، محمد سرور، والذي قال لـ”العربي الجديد”: “أعمل مع صديق، على إرسال الشباب الراغبين في الهجرة إلى أوروبا عن طريق إيران وتركيا، نستهدف الشاب في القرى والأرياف خاصة العاطلين عن العمل، ممن يبحثون عن تحقيق أحلامهم في أوروبا بدلا من الأوضاع غير المستقرة هنا. نوفر لهم جوازت سفر سورية مزورة، ونؤمن لهم رحلتهم حتى اليونان”.
ووفقاً لسرور، فإن مسار الرحلة يمر عبر الحدود الأفغانية – الإيرانية، إذ تبدأ من إقليم نيمروز الأفغاني (أقصى جنوب أفغانستان)، ومن هناك يخوض المهاجرون رحلة شاقة سيرا على الأقدام، تستغرق بضعة أيام حتى عبور الحدود التركية.
في تركيا يحرص سماسرة الهجرة غير الشرعية على إبقاء المهاجرين في بيوت آمنة، وبعيدة عن أعين رجال الأمن، حتى يحين الوقت المناسب لبدء المرحلة الأخيرة من رحلتهم إلى أوروبا، إما عن طريق البحر أو البرّ، حسبما يضيف ساير داوود زاي، نائب القنصل الأفغاني في إسطنبول، والذي روى في شهادة منشورة على موقع تربيون نيوز أن “الكثير من الشبان يبيعون أراضيهم أو بيوتهم أو ممتلكاتهم الأخرى، من أجل دفع مبالغ تصل إلى 6 آلاف دولار للمهربين “. وهو ما تؤكده زينب أحمد إحدى طالبات اللجوء في ألمانيا، لافتة إلى أنها أنفقت 10 آلاف دولار حتى تصل إلى ألمانيا، من بينها 7 آلاف دولار، حصل عليها المهرب”.
طرق بديلة
بسبب المخاطر الكثيرة المحدقة بطريق الهجرة من أفغانستان إلى تركيا، والذي يمر بإيران، بدأ مهربون في تنظيم رحلات هجرة مباشرة عبر الطائرة من أفغانستان إلى تركيا، إذ يقومون باستصدار تأشيرات تركية سياحية للراغبين في الهجرة في مقابل 4 آلاف دولار، بينما تصل قيمة التأشيرة في الظروف الطبيعية إلى 60 دولارا. ومن هؤلاء، الشاب محمد هادي الذي أنفق 15 ألف دولار للوصول إلى تركيا، ومنها عبر البحر انتقل إلى اليونان مقابل 7 آلاف دولار، وهو ما كلفه بيع منزله في كابول لتحقيق حلمه بالحياة في ألمانيا.
طريقة أخرى يقوم بها الأثرياء الأفغان، يرويها السمسار سرور قائلا “هؤلاء يدفعون مبالغ ضخمة في باكستان، لتأخذهم مافيا التهريب بأرواق نظامية مباشرة من مطار كراتشي، إلى دول أوروبية ومنها ينتقلون إلى الدولة التي يريدون، ولكن هذه العملية تكلف مبالغ تصل إلى 100 ألف دولار”.
300 ألف أفغاني في أوروبا
يكشف المتحدث باسم وزارة شؤون اللاجئين، حفيظ مياخيل، عن أن 300 ألف شخص خرجوا من أفغانستان منذ بداية عام 2015، وحتى منتصف العام الجاري، قائلا لـ”العربي الجديد”، “الحكومة الأفغانية تسعى جاهدة لوقف هذه الموجة من الهجرة. كما أنها بصدد إبرام اتفاقية مع بعض الدول الأوروبية لتحسين ظروف إقامة اللاجئين الأفغان”.
وتعليقا على وضع المهاجرين الصعب في أوروبا، يقول الحقوقي والمختص في شؤون اللاجئين، الدكتور أحمد خالد حاتم، إن أفغانستان وقعت في العام 2002 اتفاقية مع كل من فرنسا وهولندا والنرويج والدنمارك تنص على عدم إعادة المهاجرين من القادمين من مناطق حرب في أفغانستان، ومن يعانون من أمراض مزمنة، ومن يعملون على لم شمل أسرهم، وأصحاب الأعمار الكبيرة. ويوضح حاتم أنه وفق اتفاقية عام 1951، الخاصة بحقوق اللاجئين، توجب على الدول الأروبية أن تتعامل مع المهاجرين الأفغان كما تتعامل مع المهاجرين من باقي الجنسيات وعلى رأسهم السوريون.
ويلقي الناطق باسم اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان، رفيع الله بيدار، باللائمة على الحكومة في موجة الهجرة المتزايدة، بسبب فشلها في إحلال الأمن وإيجاد فرص العمل للشباب، قائلا لـ”العربي الجديد”، “الوضع الأمني والبطالة والفقر كل تلك أسباب تستغلها مافيا تهريب الأفغان إلى أوروبا لتضليل الشباب وترغيبهم في الهروب من واقعهم المزري”.
ولكن المتحدث باسم وزارة شؤون اللاجئين، حفيظ مياخيل، يرفض ما قاله بيدار، مشددا على أن الحكومة تسعى، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، إلى إيجاد حلول دائمة لظاهرة هجرة الشباب الأفغاني غير الشرعية، معربا عن أسفه الشديد لما يتعرض له الأفغان في الدول الأوروبية من معاناة شديدة.
تعقيد اللجوء
في فبراير/شباط الماضي، أكد وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزير، استقرار الأوضاع الأمنية في بعض الأقاليم الأفغانية، قائلا على هامش مباحثات في العاصمة الأفغانية كابول، “من المنتظر لذلك أن يبقى الأفغان في بلدهم في ظل مساهمة الجنود والشرطة الألمانية في استتباب الأمن، علاوةً على المساعدات التنموية الكبيرة، التي تقدمها ألمانيا لأفغانستان”، لافتا إلى أن “أعداداً متزايدة من أفراد الطبقة الوسطى، بما في ذلك العديد من سكان كابول، يتدفقون على ألمانيا”.
تصريحات ميزير انعكست على طالبي اللجوء في ألمانيا كما يؤكد الإعلامي الأفغاني، رحيم الله ورين، أحد طالبي اللجوء في أوروبا، والذي أكد أن السلطات الأوروبية تدقق بشدة من خلال خبراء سوريين يصاحبون رجال الشرطة، للتأكد من جنسية اللاجئين، وهو ما جعل الحصول على اللجوء في أوروبا من خلال الوثائق الثبوتية والجوازات السورية، أمرا بعيد المنال. ورغم ذلك يحاول الشاب الأفغاني، محمد صبور، جمع تكاليف رحلة الهجرة غير الشرعية من أجل تحقيق حلمه بالاستقرار في أوروبا، مشيرا إلى أن السمسار الذي نصحه به رفاقه من المهاجرين، أعد له أوراقاً سورية مزورة في تركيا، التي ينتظره فيها بعد تسديد أقساط تكلفة الرحلة، التي ينتظر القيام بها في نهاية شهر أغسطس/آب المقبل.
* تحقيق: صبغة الله صابر
الجزء الثاني من تحقيق خاص أجراه موقع “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة