التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في زيارة نادرة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية مصري إلى الدولة العبرية منذ تسع سنوات. وفي حين أعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها الأحد أن الغرض من الزيارة هو إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المتوقفة تماما منذ فشل جهود قادتها الولايات المتحدة في نيسان/أبريل 2014، إلا أن توقيتها الذي جاء قبل أشهر قليلة من الانتخابات الأمريكية أثار العديد من التساؤلات. وجاء انعقاد المؤتمر الصحفي المشترك بين المسؤول المصري ورئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس ثم استضافة نتانياهو لشكري على عشاء في مقر إقامته في القدس أيضا ليزيد من غضب رافضي هذا “التقارب” المصري الإسرائيلي.
وكانت وزارة الخارجية المصرية أكدت أن زيارة شكري “تهدف إلى توجيه دفعة لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، إضافة إلى مناقشة عدد من الملفات المتعلقة بالجوانب السياسية في العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية”. كما أكد شكري للصحافيين في مؤتمر صحافي مشترك مع نتانياهو قبل بدء لقائهما في القدس، أن زيارته “تأتي في توقيت هام وحرج تمر به منطقة الشرق الأوسط”، مضيفا أن “حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المستمر منذ عقود سيكون له ” آثار إيجابية على منطقة الشرق الأوسط” مؤكدا أن مصر مستعدة “للإسهام بفعالية” في تحقيق هذا الهدف.
من جانبه، قال نتانياهو “أرحب بعرض الرئيس السيسي الأخير حول القيادة والجهود المصرية لدفع السلام مع الفلسطينيين قدما والسلام الأوسع في منطقتنا”.
تحضير لزيارة نتانياهو للقاهرة؟
وبالرغم من تأكيد الجانب المصري على أن الزيارة تركز على القضية الفلسطينية والوساطة المصرية في هذا الشأن إلا أن الإذاعة العامة الإسرائيلية قالت أن زيارة وزير الخارجية المصري يمكن أن تندرج في سياق تحضير زيارة محتملة لنتانياهو إلى القاهرة.
وبحسب مسؤول إسرائيلي نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية فإن نتانياهو طلب من شكري أن تساهم بلاده في حل قضية جثتي جنديين إسرائيليين إضافة إلى مدنيين إسرائيليين تؤكد الدولة العبرية أن حركة حماس تحتجزهم في قطاع غزة.
كما تأتي هذه الزيارة بعد حوالى شهرين من تصريحات مثيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول العلاقات المصرية الإسرائيلية. حيث ربط السيسي في 17 مايو/آيار الماضي بين تطوير علاقات بلاده مع إسرائيل لتصبح “أكثر دفئا” وإيجاد حل للقضية الفلسطينية وقال إن مصر مستعدة للمساهمة في الجهود الرامية لإيجاد حل للصراع.
وهو ما اعتبره البعض عودة القضية الفلسطينية إلى دائرة اهتمام السلطات المصرية التي انشغلت على مدى السنوات الأخيرة بالتعامل مع العديد من الأزمات والاضطرابات الداخلية عقب الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011.
الغرض من الزيارة وتوقيتها
وحول تلك الزيارة يرى عبد الله الأشعل السفير المصري السابق وأستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في تصريح لفرانس 24، أن الغرض المعلن منها لا ينم عن السبب الحقيقي من ورائها، حيث أن هناك “ضبابية شديدة” حول جدواها، خاصة مع “التعنت الإسرائيلي في مسألة الاستيطان والفشل الأمريكي والفرنسي من إقناع إسرائيل باللين فيما يتعلق بهذا الملف… فمن الصعب أن تحقق القاهرة وساطة ناجحة فيما فشلت فيه حليفة إسرائيل الرئيسية الولايات المتحدة”.
ويضيف الأشعل الزيارة تنم عن رغبة عامة في إقرار السلام في الشرق الأوسط ولكنها لا تحتوي على أي خطوط واضحة أو آليات لإقراره، واعتبرها مقدمة لمزيد من التطبيع المصري الإسرائيلي.
كما تأتي هذه الزيارة قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث أنه من المستبعد التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال الإدارة الأمريكية الحالية، وبالتالي فانتظار الإدارة الجديدة حتمي وهو ما يضع علامات استفهام حول توقيت تلك الزيارة.
لماذا زيارة القدس تحديدا؟
وجاء الإعلان عن عقد المؤتمر الصحفي المشترك بين نتانياهو وشكري في القدس وليس في تل أبيب ثم الاستضافة للعشاء ليلا في القدس أيضا ليزيد من وقع المفاجأة على المهتمين بالسياسة الخارجية المصرية. حيث أن السياسة الخارجية المصرية بالرغم من اعترافها بدولة إسرائيل بموجب اتفاق السلام الموقع العام 1979 بين مصر وإسرائيل، إلا أن مصر لم تعترف يوما بالسيادة الإسرائيلية على مدينة القدس وتعتبرها أرضا محتلة.
ومن جهته، يرى الأشعل أن زيارة شكري للقدس هو اختزال للموقف المصري الذي يسعى للتقارب مع إسرائيل وإن كان ذلك على حساب الشعب الفلسطيني، حيث أن هذا “التراجع” في الموقع المصري جاء دون تنازل يقابله من الطرف الإسرائيلي لصالح الفلسطينيين.
مواقع التواصل الاجتماعي بين الغضب والتبرير
وفور الإعلان عن هذه الزيارة المفاجئة، احتدم السجال بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بين التبرير للزيارة والغضب منها. حيث اعتبرها البعض جهودا مصرية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعودة مصر لدورها الإقليمي المحوري والريادي. بينما رأى فيها الرافضون تقاربا غير مسبوق مع الدولة العبرية وتراجعا عن المواقف المصرية خاصة في أعقاب ثورة يناير 2011 التي أظهرت الرفض الشعبي المصري لأي تطبيع مع إسرائيل.
وإلى أن تتضح الصورة الكاملة من وراء تلك الزيارة يقول الأشعل أنه “لا يمكننا إلا أن ننظر بمزيد من الشفقة على السلام الضائع في الشرق الأوسط”.
* فرانس برس
عذراً التعليقات مغلقة