ياسر محمد – حرية برس
تعددت السيناريوهات لملء الفراغ الذي سيحصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مناطق البادية السورية وشرق الفرات قريباً، وتضاربت مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري إقليمياً ودولياً ما جعل التوصل إلى حل لمعضلة “المنطقة الآمنة” في المنطقة يزداد غموضاً وتعقيداً مع مرور الوقت وعدم توصل الفرقاء إلى حلول وسط.
وتتسابق للسيطرة على المنطقة روسيا ونظام الأسد وإيران من جهة، والولايات المتحدة وشركاء أوروبيون و”الوحدات الكردية” من جهة أخرى، بينما تدخل تركيا الصراع وحدها ولكن بعزيمة وإصرار تجعل أي سيناريو مستحيلاً من دون موافقتها أو الشراكة معها.. كما تسجل بعض الدول العربية (الإمارات والسعودية ومصر) حضوراً رمزياً في الملف كيداً لتركيا فقط، كما يحضر العرب السوريون (من عشائر المنطقة) حضوراً خجولاً بعدما قبلوا أن يكونوا شريكاً غير أساسي في حلف “قسد” الذي حكم المنطقة على مدى خمس سنوات.
ومع الحديث عن قرب إقامة منطقة “آمنة” تركية على طول الحدود شرقي الفرات، بطول 500كم وعمق 30كم، ظهرت توجهات روسية وإيرانية مناوئة للمشروع، ناهيك عن الاعتراض الأميركي، واعتراض نظام الأسد و”الوحدات الكردية” بشكل رئيسي.
ويبدو أن إيران انتظرت حتى تتراكم مشاكل السيناريو التركي، لتبدأ بمد يدها في المنطقة، ليس سياسياً بل عسكرياً بشكل مباشر كعادتها، حيث أفادت تقارير صحفية محلية، أمس الأربعاء، بأن وفداً إيرانياً زار مدينة الميادين بريف دير الزور، وحث الشباب في المدينة وريفها على العودة إلى مناطقهم، والالتحاق بصفوف القوات الإيرانية والميليشيات الموالية، ووعد بأن يؤدي انتساب الشباب المطلوبين أمنياً للميليشيات إلى رفع أسمائهم من الملاحقة الأمنية.
جاء ذلك خلال اجتماع موسع جرى في “حي التمر” الذي تسيطر عليه قوات إيرانية، بحضور وجهاء المدينة وريفها، ومخاتير “بقرص وسعلو ومحكان والزباري والقورية” التي تتبع إدارياً لمدينة الميادين، وشخصيات من العوائل المعروفة بالمدينة.
وأوضحت التقارير أن الوفد الإيراني دعا شباب المدينة إلى الانضمام للقوات الإيرانية، كما قام الوفد بعد ذلك بزيارة منطقة “عين علي” التي حولتها القوات الإيرانية مزاراً.
وأشارت التقارير الواردة إلى أنه تم رصد قدوم حافلات تقل كثيراً من “الزوار” الإيرانيين والعراقيين، الذين أقاموا شعائر مذهبية في المنطقة التي تشهد وجوداً عسكرياً كبيراً للقوات الإيرانية.
ويأتي هذا التطور تزامناً مع إطلاق طهران رسمياً مشروع طريق دولي يربطها بدمشق عبر العراق، وكذلك تزامنت الزيارة مع زيارة وزير خارجية النظام وليد المعلم إلى طهران، حيث أكد هناك حرص نظامه على بقاء الميليشيات الإيرانية مدافعاً عن شرعية احتلالها لسوريا.
كما أن إيران دعمت مشروع توسعها المزمع شرقي الفرات بتصريح سياسي لوزير خارجيتها جواد ظريف الذي قال أمس الأربعاء إن طهران مستعدة للتوسط بين نظام الأسد وتركيا لإعادة العلاقات بالحد الأدنى، إلا أن اللافت في تصريحاته هو قوله لدى سؤاله عن رأي إيران بإنشاء تركيا “منطقة آمنة” شرقي الفرات: “لا يمكن استبدال احتلال باحتلال آخر”!، ما يعني بكل وضوح أن طهران ستنظر لتركيا شريكتها في مسار أستانة على أنها قوة محتلة إن أقدمت على ملء الفراغ شرقي الفرات.
وفي خطٍ موازٍ؛ واصل رئيس تيار “الغد السوري” أحمد الجربا جولاته المكوكية في أكثر من عاصمة إقليمية ودولية، بهدف تحشيد الدعم لخطته الجديدة، التي تبحث في تشكيل قوة عربية- كردية في شرق الفرات، تتولى إدارة المنطقة الآمنة التي تعتزم الولايات المتحدة وتركيا إقامتها شمال شرق سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية من هذه المناطق، فبعد الزيارات المتكررة التي قام بها الجربا إلى كل من أنقرة وواشنطن وأربيل العراق، كشفت مصادر من داخل “تيار الغد” عن زيارة مرتقبة سيقوم بها الجربا إلى موسكو، وذلك لإقناع الطرف الروسي بالخطة التي تبحث في ملء الفراغ وتشكيل منطقة عازلة بين تركيا و”الوحدات الكردية”.
إلا أن مراقبين ومحللين رجحوا فشل خطة “الجربا” نظراً لفقدان الثقة بها من طرف الجانب التركي الذي ينظر إليها على أنها خطة أميركية يسوّقها الجربا، كما أن روسيا ونظام الأسد و”الوحدات الكردية” يعترضون عليها.
ويُتوقع أن يزداد الملف سخونة بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيعلن القضاء على “داعش” في المنطقة بعد أسبوع، ما من شأنه أن يسرّع وتيرة سحب القوات الأميركية المرابطة في المنطقة، ويستدعي بالضرورة ملء الفراغ الناشئ عن ذلك الانسحاب، فمن سيملأ الفراغ وكيف في ظل تراكم هذا الكم من الحلفاء والأعداء والتناقضات؟.
عذراً التعليقات مغلقة