على الطريق للذكرى السنوية الثامنة لانطلاقة الثورة السورية استذكر كيف كانت الأنانية سيدة الموقف خلال الفترة السابقة من عمر الثورة، وهي أحد أسباب التراجع الكبير والأثمان المرتفعة التي دفعها شعبنا الصامد في الثلوج بين البراري القافرة إلا من رحمة الله وإحسان بعض الأشخاص أو الدول.
لقد تلقت الثورة السورية الضرر الأكبر من كهنة الثورة وأحادية التمثيل والأنانية وبما يفوق الضرر الذي تلقته بسبب الخذلان والصمت على جرائم النظام من قبل الدول الخارجية، هذه الأنانية التي أوصلت شعبنا إلى ما أوصلته إليه يجب الوقوف عندها ملياً، والبحث عن طرق لمعالجتها، فرغم كل ما مرّ بنا لا زالت الأنا المتضخمة لدى بعض الفئات هي السائدة، رغم كل المناشدات ورغم كل ما كتب من مقالات ودراسات تبين أن الوحدة أمر مهم جداً، وأن الأنانية والاستئثار أمر يدمر الثورة ويطيل من عذابات ومعاناة الناس.
مع إيماني بالتعددية السياسية، وأنها الشكل الأجدى لمستقبل سوريا، إلا أنني أرى أن التعددية يجب أن لا تتحول لمحاصصة ومحاولة الهيمنة من قبل البعض على الثورة السورية وإعادة إنتاج نفس الشكل الذي كنا ولا زلنا نعاني منه منذ بداية الثورة، وألا تتحول التعددية إلى انقسامات يمتمرس فيها كل طرف بموقفه ومكانه بما يؤدي إلى إلحاق أكبر الضرر بالعمل والنشاط الثوري، فقد تجلب بعض الأنشطة الثورية الضرر، نريد تكوين تعددية أفكار تغني العمل، وليس تعددية أنشطة متضاربة مع بعضها البعض، يسعى أصحاب كلّ منها إلى إبراز نفسه أنه قائد عام الثورة، وأنه الشرعي الوحيد، وأنه… وأنه…
ونحن على أبواب الذكرى الثامنة لانطلاقة الثورة السورية، يسعى الكثير للتنافس على إحياء الذكرى، وكلّ منهم لديه نشاطه المنفصل تماماً عن أنشطة الآخرين، وأنا أجد أن هناك ضرورة لتكون احتفالية هذا العام الخطوة الأولى في إيجاد أشكال فعالة للاحتفال الوطني بالذكرى الثامنة وهي اتفاق جميع القوى الوطنية على برنامج موحد ومشترك للاحتفال بدلاً من التفرقة والشرذمة الموجودة حالياً.
هذا العمل إذا نفذ فسيكون الخطوة الأولى المؤسسة لوحدة القوى الوطنية الديموقراطية، ويتطلب العمل الاتفاق على برنامج وطني وهيئة تشرف على التنفيذ الجدي لهذا البرنامج، بما ينسجم وإعادة الروح للثورة وتفعيلها ويتوافق مع أهدافها المعلنة في الحرية والكرامة والعدالة… وهذا يتطلب التخلص من احتكار أحادية التمثيل وأنانية البعض التي أوصلت الثورة إلى هذا المستوى من التراجع، كما يتطلب أيضاً تجاوز الشخصيات التي ساهمت في تمزق الوحدة الوطنية أو فشلت في قيادتها، وهم كهنة الثورة القادرين على انتقاد الجميع إلا أنفسهم، والقادرين على تسمية كل من ينتقدهم بأنه عميل للنظام، وأن نسبة 99% من الثوار هم زعران، وهي للمصادفة تماثل نسب نجاح النظام في الانتخابات التي لا تحترم الشعب، وبالتالي فإن الشعب وخصوصا جماهير الثورة لا تحترمها.
أعتقد أن إحياء ذكرى ثماني سنوات على انطلاقة الثورة السورية بالذكرى يتطلب الاتفاق على برنامج له طبيعة إنسانية واحتفالية ونضالية.
وأما الطبيعة الإنسانية فعلينا أن نكرم شهداءنا وأسرهم ونجعل الشهيد نموذج البطولة والتضحية في سبيل بناء نظام ديمقراطي، وأن نحصي عدد المصابين بالثورة، والذين أدت إصاباتهم إلى إعاقتهم عن العمل، وأن نعرف أوضاعهم ونشكل مؤسسة وطنية تدير شؤونهم وتجعلهم قادرين على المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وعلينا أن نتابع نضالنا من أجل إطلاق سراح المعتقلين، وأن نتفق جميعنا على أن تحرير هؤلاء المعتقلين من سجون النظام هي الخطوة الأولى الملزمة للجميع في تحقيق عملية السلام، كما نص على ذلك بيان جنيف1 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإن تقديم أي فقرة في الحل السياسي على فقرة إطلاق سراح المعتقلين يعني إبقاؤهم رهائن لدى النظام لابتزاز القوى السياسية والضغط عليها لتقديم تنازلات، ويعني تعريض حياة المعتقلين للخطر يومياً نتيجة التعذيب والإعدامات كما تؤكد كافة التقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية، وكما تؤكد المحاكم الأوروبية التي طلبت قيادات المنظمات الأمنية للتحقيق بصفتهم مجرمي حرب.
احتفالية هذا العام يجب أن تعني التأكيد على قدرة الشعب السوري على الصمود والمقاومة خلال السنوات السابقة، وعدم قدرة القتل والاعتقال، والتدخل الدولي المباشر لصالح النظام، والصمت الدولي عن جرائمه المرتكبة بحق الشعب السوري، والذي عمل النظام على تهجير نصف سكان سوريا، والعذابات التي يلاقيها سكان المخيمات خصوصاً، والضغوطات التي تحصل بحق المهجرين في لبنان والأردن، وغيرها من الدول العربية خصوصاً .. ويضاف إليها الأعمال الإجرامية التي مارستها المنظمات المتطرفة والتي ساعدت النظام من حيث تدري أو لا تدري على الاستمرار طيلة هذه السنوات، وساعدته في عمله على قهر الشعب وإذلاله بهدف إخضاعه… إلخ.
كل هذه الضغوطات الهائلة لم تثنِ الشعب السوري عن تصميمه على إسقاط نظام الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وإن معاني هذا الصمود هي العناوين التي يجب أن نحتفل بها، فهي تستحق الاحتفال والتخليد، وتستحق أن تحول إلى حالة وطنية نادرة الوجود ..
إن الاحتفال السياسي يتطلب عقد المزيد من الندوات التي تحدد المهام الواجبة التنفيذ في المرحلة الحالية، وتحدد بدقة موقف الدول المختلفة من الثورة لنتخلص من التبعية، وتجري قراءة نقدية لعمل السنوات السابقة، وتتطلب تحديد الموقف من المحتلين الداعمين للنظام وأشكال مقاومتهم، فالمحتل عبر التاريخ لا يحاور بل يقاوم، على أن تشارك في هذه الندوات كل التجمعات المعنية بهذا الحوار الوطني، ما عدا التابعين للإملاءات الخارجية والمرتبطين عضوا بالخارج المحتل.
من حق الشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات أن ينعم بذكرى ثورة يشارك فيها الجميع تكون عنوان انطلاقة جديدة للثورة السورية، انطلاقة تبتعد عن التجاذبات ومحاولة الهيمنة من قبل أي جهة على جهة أخرى، انطلاقة يكون عنوانها العمل الجماعي المؤسساتي والجميع أنداد للجميع ولا أحد أفضل من أحد ولا أحد قائد والآخر تابع، حتى لو كانت قيادة مقنعة تحت شعارات ثورية جميلة.
عذراً التعليقات مغلقة