* علي الأمين
في خطابه الأخير الذي ألقاه يوم القدس لم يتطرق الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى مسألتين، كان الكثير ينتظر بشوق لمعرفة موقفه من إهداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدبابة الإسرائيلية التي غنمها الجيش السوري والمقاومة الفلسطينية واللبنانية في لبنان عام 1982، لا سيما وأن السيد نصرالله يقدم نفسه كحريص على مجابهة كل ما يمسّ بفكرة المقاومة لإسرائيل، وبالتالي ترقب الكثيرون أن يكون له موقف من هذه الإهانة التي وجهها الرئيس الروسي إلى المقاومة ضد إسرائيل، وإلى حلف الممانعة الذي فعل ما فعل خلال السنوات الخمس الماضية في سوريا من أجل مجابهة المشروع الأميركي والصهيوني. لم يقل حسن نصرالله شيئا في هذه القضية ولم يذكرها بتاتا، ربما نسي أو لا يزال يدقق في أبعاد الخطوة الروسية.
إن فرضية النسيان والتدقيق لدى السيد نصرالله، يدحضها الاستعداد الروسي- الإسرائيلي للقيام بمناورات جوية على امتداد شاطئ البحر الأبيض المتوسط هذا الصيف، وهذا ما لـم يشر إليه السيد نصرالله ولم يجد نفسه معنيا بأن يقول شيئا وهو الذي لا يزال يعتبر معركته في حلب، وفي مختلف المناطق السورية، فتحا للطريق نحو القدس، وهو نفسه لم يعلق على فعلة الروس إذ يقاتل وإياهم ما سماهم أدوات المشروع الصهيوني من تكفيريين ومسلحين، هم بالضرورة حلفاء موضوعيون للمشروع الصهيوني، كما كان يقول دائما إلى أن قالها أخيرا؛ إنهم أخطر من المشروع الإسرائيلي.
لم يُستفز السيد نصرالله من خطوات فلاديمير بوتين الإسرائيلية، ولا من مسار التنسيق بين موسكو وتل أبيب على الإدارة العسكرية والسياسية للأزمة السورية، ففي كلمته المتلفزة يوم القدس كان نصرالله يجدد الاتهام للأنظمة العربية التي نعرف، ويعرف، أنها قصرت في شأن القضية الفلسطينية وفي تحرير القدس، وهذا ديدن خطاب الممانعين وعلى رأسهم نصرالله منذ عقود.
الأنظمة العربية مفروغ من أمرها، لكن السؤال يوجه إلى إيران وامتدادها حزب الله، ماذا فعلتم للقدس التي خضتم حروبا في كل الدول العربية من أجلها؟
الإجابة البليغة من قيادة الحرس الثوري جاءت قبل أيام، ومفادها أنه “خلال 25 عاما ستزول إسرائيل من الوجود”، وهو تطوّر جديد وأكثر موضوعية مما كان يكرره نصرالله عن أن الكيان الإسرائيلي هو “أوهن من بيت العنكبوت”، بحيث كان يمكن أن يقضي نصرالله عليها في وقت لا يتجاوز مدة القضاء على بيت العنكبوت، ليبقى السؤال لماذا يغرق حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية في حرب استنزاف في سوريا، ولا تبذل هذه الطاقات البشرية والمادية على إنهاء من هي أوهن من بيت العنكبوت، أي إسرائيل؟
السيد نصرالله لم يعد مضطرا حتى في يوم القدس إلى أن يبحث في طرق الوصول إليها، ولا في الإجابة على سؤال كيف سيقاتل إسرائيل، كما لم يعد معنيا بمخاطبة جمهور عربي أو إسلامي لم يعد يستسيغ خطاباته منذ أن تورط في قتال الثورة السورية، هو اليوم يتحدث، بشكل صريح وواضح، بأن العدو الأخطر بالنسبة لإيران هي السعودية وليست إسرائيل ولا الشيطان الأكبر أميركا. وزعيم حزب الله على هذا المنوال بات في سلم أولويات خطابه هو قتال “الإرهاب التكفيري”، والتصويب على المدرسة الوهابية، وهو في ذلك يبدو وفيا للانخراط في معركة ذات طابع سياسي تشكل المذهبية ذخيرتها.
الاستقرار والهدوء على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، ومع الجولان المحتـل في سـوريا، وقد زاد من هذا الاستقرار إضافـة الضمانة الروسية لإسرائيل على هذا الصعيد، فمنذ تدخل روسيا العسكري في السنة الماضية، بدا أن موضوع الحدود الجنوبية السورية أكثر استقرارا، بـل لقـد تمّت الإطاحة بمجموعة من الأسماء العسكرية في حزب الله التي كانت لها شبهة في قتال إسرائيل أو معاداتها من خلال سوريا، ليس مصطفى بدرالدين أو سمير القنطار إلا من أمثلة عديدة.
يدرك نصرالله أن اللعب هذه المرة سيكون مكشوفا، سيصمت عن كل التنسيق الروسي- الإسرائيلي، ليس كرما لحماية بشار الأسد فحسب، بل تفاديا لأن يقاتل على جبهتين؛ واحدة مع السوريين في سوريا وأخرى مع إسرائيل، وبالتالي فإن أقل المكاسب التي ستنالها إسرائيل هو السكوت عن احتلال الجولان، قوى الممانعة هي أول من سيوفر شرط حماية احتلال الجولان، ما دامت إسرائيل تحمي نظام الأسد ولو على حدود “سوريا المفيدة”.
اكتشفت، روسيا، أخيرا أنها هي التي تستطيع أن تقدم لإسرائيل الأمن والضمانات لأنها -أي روسيا- هي من يستطيع أن يلجم قوى الممانعة في الساحة السورية على تنوعها، بسبب أن روسيا هي من منع انهيار النظام السوري وحلفائه بعدما كان على حافة الانهيار، إذ شكل الغطاء الروسي الجوي عنصرا حاسما في إعادة التوازن للنظام السوري ولحزب الله.
وعلى الرغم من الضمانات الروسية لإسرائيل تجاه أي خطر على أمن إسرائيل من سوريا، فـإن إسرائيل لا تزال تتصرف على الأراضي السورية بمهاجمة كل ما تعتبـره مهـددا لأمنها، وفي هذا السياق قامت طائراتها الحربية بتوجيه ضربات عسكرية لقوافل سلاح كانت تتجه نحو الحدود اللبنانية. ودائما يتـمّ ذلك من دون أي ردّ فعـل من قبـل حزب الله الـذي يرجح أنه الجهة التي تحاول نقل السلاح إلى لبنان.
حسن نصرالله انتقل من التفنن في خطاب التهديد والوعيد لإسرائيل، إلى فنّ جديد اسمه العزف على أوتار الحروب الأهلية في سوريا والعراق واليمن، فن التقسيم باسم الوحدة، وفن إدامة الاستبداد باسم القضية الفلسطينية، وفن تأبيد الاحتلال باسم مقارعة الفرق الدينية والمذهبية.
الحرب مع إسرائيل انتهت والسلام الإسرائيلي لا يتم إلا عبر مدخل الممانعة، وروسيا هي أفضل من يحسن القيام بهذه المهمة، أفضل من الإدارة الأميركية ومن الاتحاد الأوروبي. وستكون هي أكثر كرما من واشنطن بالتأكيد وإن غد الممانعة لناظره قريب.
* نقلاً عن “العرب”
عذراً التعليقات مغلقة