تتسارع الأحداث كثيراً على مستوى جبهة نظام الأسد وحلفائه، بعد إخضاع أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة السورية المتمثّلة بالفصائل المسلحة ورجوعها الى حاضنة نظام الأسد بعد حملات وحشية من التدمير الممنهج للمدن عبر القصف الروسي، وإجبار أهلها على المصالحة أوالتهجير القسري، وعن طريق الميليشيات المجندة من إيران وحزب الله اللبناني أو الضغط على الفصائل للتسليم وعقد الهدن مع النظام من قبل الدول الداعمة والفاعلة في ملف المعارضة وانحسار الثوار وتجميعهم في الشمال السوري وبالأخص ادلب كما يعلم الجميع والمتابع لأحداث سوريا.
وهنا برزت مشكلة جديدة لم تكن تخطر ببال الروس، الحكام الفعليين لسوريا، ولم تكن بحسبانهم، وهي ذات شقين، الشق الأول يتمثل بملف اللاجئين والمهجرين من المعارضين والحاضنة الشعبية للثورة في المدن التي كانت تحت سيطرة النظام أو التي عادت إلى سيطرته بالمصالحات والهدن.
ملف المهجرين والنازحين ملف ضخم جداً وتتشابك خيوطه بين النزوح الداخلي واللجوء في أوروبا، وملفاته كثيرة وشائكة ومتعددة بين الأتراك والأوروبيين أو بين دول الجوار وشعوبها، وتتداخل هذه الملفات مع ملف إعادة تأهيل الأسد وإطلاق عملية إعادة الإعمار التي يطلبها الروس بوجود الأسد ورفضها من قبل أغلب الدول الغربية والمجتمع الدولي، إعلامياً حتى هذه اللحظة، وإن كانت هناك بعض الدول العربية – للأسف – كانت وما زالت تدعم قتل السوريين وتهجيرهم وتشريدهم، وليست الإمارات ومصر والجزائر الوحيدة في ذلك.
مشكلة اللجوء والمخيمات، التي تضغط إعلامياً وإنسانياً وأخلاقياً على انظام الأسد وحلفائه كانت ولا زالت الورقة التي لا يمكن لهؤلاء الهروب منها مطلقاً، وبالتالي .. كان لابد من افتعال وجود ورقة مشابهة لها على الطرف المقابل، حيث تتموضع حاضنة نظام الأسد الشعبية، تكون مقبولة للمجتمع الدولي، بحيث تدفعه للرضوخ وفتح أبواب التواصل مع نظام الأسد على مصراعيه من باب الحاجات الإنسانية والضغط الأخلاقي.. وهنا يتوضح الشق الثاني من المشكلة، التي تكمن في الحاضنة الشعبية للنظام، التي كانت قبل إعادة المدن والمناطق الثائرة إلى حضن ما يسمى النظام، تعاني كما تعاني المناطق الثائرة، من غلاء الأسعار وفقدان المحروقات، والتشبيح، وسوء الخدمات وإرهاب شبيحة النظام ايضاً، فهذه الحاضنة وطوال سنوات الثورة كانت تعاني وتئن، ولكن لا تستطيع التعبير مطلقاً لأن الحجج والأعذار كانت معدة سلفاً وجاهزة، وهي أن النظام يحارب الإرهاب وهو في معركة توحيد سوريا الآن، وبعد أن انتهت المسرحية وعادت معظم المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام إلى سيطرته مجدداً، ولم تعد لديه المسوغات الكافية أو المقنعة لهذه الحاضنة ليدفعها للصبر على وضعها الكارثي، فكان لابد له من إيجاد طريقة للخروج من المأزق مع حلفائه، فأوعز إلى شريحة الشهرة في المجتمع، وهم الفنانون ، ليخرجوا على صفحاتهم الشخصية وينتقدوا الحكومة وحتى الرئيس إن لزم الأمر.
هذا الاستخدام للفن ليس بجديد على نظام الاستبداد الأسدي، فقد جرى استخدامه وتطويعه سابقاً أيام الأسد الأب وتسخيره مجالاً للتنفيس، فكانت أعمال دريد لحام ومرايا ياسر العظمة تدغدغ عواطف الناس، حتى إذا أصبح التمثيل حقيقة وهب الشارع ليجسد بعض مشاهد الدراما والكوميديا السوداء ويجعلها حقيقة واقعة، انزوى ياسر العظمة جانباً، وانضوى دريد لحّام تحت سلطة النظام مدافعاً شرساً عن القتل والاستبداد، مفضلا الطائفية على الوطنية، وهؤلاء الفنانون الذين تسمع أصوات اعتراضاتهم وشكواهم حالياً متفقون معه في القتل، والتهجير، والاستعانة بالإبرانيين وأذرعهم الطائفية وبالغازي الروسي ومرتزقته، ولكنهم مختلفون معه في نقص المحروقات وغلاء الأسعار!
ولم يطل الأمر كثيراً حتى تبعهم مقدمو برامج التلفزة السورية أيضاً، وعندها بدأ المواطنون بالكتابة والتعبير عن الحالة المزرية التي يعيشوها في المحافظات السورية، وتدفق سيل من الصور والتعليقات الساخرة والمواقف والإعلانات التي توحي بأن الوضع قد ينفجر إذا لم يكن هناك تدخل عاجل، وهو بالضبط مايطلبه النظام السوري ومن ورائه الروس، أي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد، وإرجاعه دولياً وعربياً، والإسراع بإعادة الإعمار وتأهيل الأسد مجدداً، وهذا ما بدأته الإمارات دون تردد، عبر افتتاح سفارتها في دمشق، وإيفاد البشير وغيره، وماحدث من مناقشة عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وليس آخرها رجال الأعمال الأماراتيين في دمشق، ووفود من الأردن وتونس وغيرها.
ولكن.. هذا التسابق المحموم للتطبيع مع مجرم الحرب ونظامه، لن يجدي نفعاً، نظراً لوجود لاعبين آخرين على الساحة أيضاً، كالأمريكان وغيرهم، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من سلم سوريا لكل شذاذ آفاق الارض، هو من أوصل المواطن السوري في كل مكان إلى ما وصل إليه من الذل والإعتقال واللجوء والتشرد والهجرة.. ولا يحتاج عاقل إلى التأكد من أنه بشار الأسد وزمرته المجرمة.
عذراً التعليقات مغلقة