ليس أكيداً وجود رغبة في تأسيس كيان كردي مستقل تماماً عن الدول الوطنية عند السواد الأعظم من الشعب الكردي، المتوزع في تركيا والعراق وإيران وسوريا.
وهذا لا ينفي بالضرورة رغبة أغلب مكونات الشعب الكردي في احترام الخصوصية الكردية والاعتراف بهم كقومية مستقلة، والسماح لهم بالحصول على إدارة ذاتية لشؤونهم المدنية في إطار فيدرالية معترف بها ومتفق عليها مع الدولة المركزية التي يعيشون فيها.
وهذا المطلب لا مشكلة فيه من حيث المبدأ ولا يفسد للود قضية، حيث أنه ليس انفصالاً عن الحكومة الاتحادية، وهناك أمثلة كثيرة على نجاح التجارب الفيدرالية في دول عديدة، ومن دون أن تكون هناك أسباب قومية أو دينية أو عرقية دفعت إلى ذلك.
لا بد من النظر إلى الموضوع من خلال رؤية سياسية وتوزيع عادل للثروة والمقدرات وإدارة الكوادر السياسية والمدنية المحلية للإقليم المنخرط ضمن اتحاد فيدرالي، والولايات المتحدة أكبر مثال على نجاح هذا نوع من الأنظمة السياسية المتفق عليها، مع اتفاق مكونات الاتحاد الفيدرالي المختلفة على إدارة مركزية للدفاع والأمن الوطني والسياسة الخارجية، فضلاً عن صندوق فيدرالي لإدارة الأزمات.
ويدخل الطموح الكردي إلى تأسيس دولة مستقلة، ضمن سياسات أحزاب راديكالية مؤدلجة، كحزب العمال الكردستاني الذي يجاهر بممارسة العمل المسلح في المربع المذكور للحصول على إقليم موحد للأقلية الكردية، وتورط في سبيل تحقيق هذا الهدف بأعمال وصفت بالإرهابية ،خصوصاً في تركيا، كالقتل المستهدف في التجمعات المدنية والسكنية وتدمير البنى التحتية.
ولا يخرج في كثير من الأحيان تنامي أو تضاؤل الحلم الكردي بدولة مستقلة عن الأجندة السياسية والاستراتيجية للدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بغية الضغط على الحكومات المركزية التي تتواجد فيها القومية الكردية، أو توجيه سياساتها في اتجاه معين، أو تقويم سياساتها بما يناسب الإرادة الأمريكية ومصالحها العليا.
وكان واضحاً منذ تواجد الاستعمارين الفرنسي والبريطاني في الإقليم، استخدام الورقة الكردية في الضغط على حكومات المنطقة، الورقة ذاتها التي استخدمتها الولايات المتحدة ودول الإقليم نفسها ضد بعضها فيما بعد.
وما يجب أن ينتبه إليه الأخوة الكرد، أن حوادث التاريخ تشهد على الدوام أن كثيراً من الدول لم تنظر إلى قضيتهم بصفتها قضية عادلة يجب الدفاع عنها، وإنما استخدمتها في إطار البازارات السياسية لهذا الطرف أو ذاك، لذلك عليهم أن يتمردوا على إرادة الدول التي تريد استخدامهم كمطية لتحقيق أهدافها، ثم التخلي عنهم بعد التفاهم مع الحكومات المركزية.
ويجب أن تعرف النخب السياسية والثقافية والاجتماعية الكردية أن مصلحتها مع شعوب الدول التي ينتمون إليها في إطار دولة مدنية لكل مكوناتها، تقوم على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحكم القانون الذي لا ينتهج التفرقة على أسس قومية أو طائفية أو عرقية.
ولا بد للأخوة الكرد أن يدركوا أن مشروعهم في الاستقلال التام غير ممكن لأسباب كثيرة، تتمثل في قوة حكومات الدول التي يعيشون ،فيها ورفضها لأي مشروع انفصالي، وكذلك عدم جدية الدول الكبرى في دعم انفصالهم بسبب مصالحها الاستراتيجية مع الدول الإقليمية الأم، فضلاً عن عدم توافر مقومات واقعية لقيامة دولة كردية مستقلة.
وهكذا، فإن على الأحزاب الكردية المدنية النضال من أجله فعلاً، كما يفعل لمجلس الوطني الكردي في سوريا وتركيا، والأحزاب التاريخية العراقية، هو العمل على إقامة دولة المواطنة العادلة على أسس قانونية ودستورية تسود فيها المساواة بين الجميع بالحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية.
عذراً التعليقات مغلقة