لم يكن الدين فيما مضى عبادة أو طقوساً تمارس في الليل والنهار فحسب، بل كان وسلية للعبادة والعلم والقيادة؛ ولذلك لم يكن العرب أو المسلمون بحاجة إلى من يسوسهم من غير المسلمين، بل كانوا سبّاقين في كل شيء حتى بدأ ذوو الفكر المحدود وأصحاب الضلال بجعل الدين وسيلة لتحقيق غايات ومصالح شخصية، وبدؤوا يبثون سمومهم فيه، حتى صار الدين هشاً لا يعوزه “إبليس” في ظل وجود الشياطين من البشر.
لم تكن الثورة السورية في بدايتها ثورة دينية ضد طائفة أو دين آخر لتحكيم الشرع، لأننا لم نكن نمتلك المقومات الكافية لذلك، بل كانت ثورة ضد الظلم والاستبداد الذي تمارسه عصابة مستعدة للتضحية بكل شيء مقابل بقائها في سدة الحكم.
وما نسمعه من حديث الناس عن أن شيوخ الدين هم السبب في ما وصلنا إليه الآن ربما يكون صحيحاً جزئياً، لكن تحميلهم المسؤولية كاملة ما هو إلا الجهل بعينه، فما زال فيهم الصالح والطالح، حيث أن مساهمتهم في جر الثورة إلى أبعاد دينية بقصد أو دون قصد، تدل على جهلنا وقلة وعينا وقبول الخروج من تحت حذاء السلطان إلى تحت حذاء شيخ جاهل.
الحالة التي وصلنا إليها كانت مدروسة ومخططاً لها من قبل نظام الأسد الذي يعرف أن نقطة ضعف الشعب هي الدين، ويثق بالأدوات التي صنعها على مر السنين من شيوخ كان ولاؤهم لحزب البعث أكبر من ولائهم لرب البعث، فخلال أربعين سنة من حكم الأسد، لم يترك عالماً منحازاً لدينه إلا وقتله أو غيّبه في السجون، وبدأ يربي جيلاً من أصحاب اللحى ظاهرهم العمامة وباطنهم الرتبة.
وحين جاءت الفرصة لعملهم كانوا أشد خطراً على الثورة من النظام، مستغلين عقول الناس البسيطة، ويدفعونهم ميمنةً وميسرةً بفتاوى مفصلّة حسب مقاس صانعيها، فتكشفت مخططاتهم لكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن نخروا جسم الثورة من الداخل وأنهكوا عقول الشعب السوري بتناقضات لم يعد بمقدوره الاختيار بينها، فاتهم الناس الدين ومشايخه، ولم يعودوا يثقون بأي شكل ديني.
وقد زادت التصرفات المعلنة التي مارسها بعض رجال الدين من العودة، أو بالأصح من إعلان البعض انتهاء مهمته كمعارض وعودته إلى مقره، من الحواجز بين الشعب والمظاهر الدينية.
ربما تكون التصرفات غير المعلنة لبعض من بقي في الأراضي المحررة تبعث الشكوك عند الناس من أن هناك تعاوناً بينه وبين النظام أو أحد حلفائه، ولكن التقليد الأعمى والانصياع التام وعدم الجرأة على مواجهة هؤلاء المستترين بعباءة الدين، كلها أسباب جعلت الشعب السوري ينظر إلى الدين كوسيلة لتحقيق غايات شخصية وإلى المتدينين كمظهر لا جوهر فيه، وقد يكون هذا صحيحاً بعد أن أصبحنا نرى أن القتال بين الفصائل صار أكثر إلحاحاً من قتالهم مع النظام.
وسواء كانت الفصائل تحمل طابعاً دينياً ظاهراً أم لا، فقد أصبحت عند الناس سواء، حيث هناك من يتبع الخارج وهناك من يتبع أهواءه، والنتيجة واحدة وهي كراهية الدين والابتعاد عنه.
وبرى البعض أنه في حال قرر الشعب العودة من جديد إلى صفوف الثورة، لا بد من أن تبدأ أولاً على هؤلاء وكل من يحاول استخدام الدين للعب بعقول الناس.
عذراً التعليقات مغلقة