بعد ما يزيد على 4 سنوات من التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي السورية، دون موافقة أو طلب من “دمشق”، فجأةً أعلنت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من كامل الأراضي السورية، وإعلانها هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، بعد أن سيطر التنظيم من جديد على أكثر من 75% من منطقة هجين منذ الإعلان الأمريكي بالانسحاب.
وقال دونالد ترامب يوم أمس الأربعاء إنه حقق هدفه في سوريا بـ “هزيمة تنظيم داعش “، مضيفاً أن ذلك الهدف كان المبرر الوحيد الذي جعله يحتفظ بقواته هناك.
ونقل المرصد السورى لحقوق الإنسان عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن جهات قيادية في (قوات سوريا الديمقراطية) “اعتبرت انسحاب القوات الأميركية فى حال جرى، خنجراً في ظهر قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب”، التى سيطرت خلال الأشهر والسنوات الفائتة على أكبر بقعة جغرافية خاضعة لسيطرة تنظيم “داعش” بدعم من هذا التحالف.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد صدور هذا القرار الأمريكي هو: لماذا تم اتخاذ هذا القرار في هذا الوقت الحاسم؟ هل قامت الولايات المتحدة بتأمين مصالحها؟ من سيقوم بملئ هذا الفراغ الأمريكي؟.
تحددت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في شرق الفرات وسوريا بثلاثة أهداف، ألا وهي: القضاء على تنظيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تحجيم النفوذ الإيراني لتأمين مصالح وأمن إسرائيل، والإشراف على عملية انتقال سياسي للسلطة وتطبيق النموذج الديمقراطي في سوريا المستقبل.
لكن باتخاذ الولايات المتحدة لهذا القرار والبدء بسحب القوات الأمريكية من 60 إلى 100 يوم من تاريخ هذا الإعلان، خلط ترامب الأوراق من جديد وفاجأ بذلك حلفاء أمريكا من الخليج إلى أوروبا إلى شريكهم المحلي (قوات سوريا الديمقراطية).
الصفقة التي على أساسها أعلنت الولايات المتحدة انسحابها، هل تمت بتوافق بين واشنطن وأنقرة، وخصوصاً أن الأخيرة كانت وما تزال على وشك القيام بعملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعتبرها منظمة إرهابية وامتداد لحزب العمال الكوردستاني التركي في شرق الفرات، أم أنها تمت بتوافق بين واشنطن وموسكو في اللقاء الأخير بين ترامب وبوتين في قمة هلسنكي وتسليمها الملف السوري كاملاً مقابل تفاهمٍ وصفقاتْ في مناطِقَ أُخرى؟.
قبل عدة أيام تم الحديث عن قيام واشنطن بتقديم حل وسطي للأتراك لمنعهم من اجتياح شرق الفرات وتبديد مخاوفهم الأمنية من خلال إشراك قوات “بيشمركة روج آفا” التابعة للمجلس الوطني الكردي العضو في الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة والقريب من الحكومة التركية على الشريط الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا، إلى جانب نشر بعض القوات التابعة لتيار الغد السوري برئاسة أحمد الجربا.
بالنسبة لـ”إسرائيل” فقد تم الإعلان عن موقفها من خلال تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على موقع تويتر، قال فيها “سنحافظ على أمننا في سوريا والمنطقة من خلال توجيه الضربات الجوية على نفوذ إيران داخل الأراضي السورية”.
أما إيران والنظام السوري، فقد اعتبرا قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها انتصاراً لمحور المقاومة والممانعة في سوريا.
باعتقادي يمكن القول أن السيناريوهات المحتملة القادمة لهذا الإنسحاب ستكون كما يلي:
السيناريو الأول: أن الإنسحاب الأمريكي يأتي ضمن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهي ضرب الجميع بالجميع، تركيا – إيران – النظام – الكورد والمزيد من الدماء والدمار.
السيناريو الثاني: إفساح المجال لسيطرة النظام السوري والإيرانيين على شرق الفرات وبالتالي محاصرة الأتراك، وهو يعكس ما صرح به الأمريكيون والإسرائيليون بأنهم يعادون التمدد الإيراني وحلفائه، بل العكس أن إيران – أمريكا – إسرائيل = واحد.
السيناريو الثالث: أن يكون هناك توافق بين ترامب – أردوغان في المكالمة الهاتفية، والضغط على الزر الأخضر من قبل الأمريكان لتركيا وإعطائها أكبر مساحة إقليمية، لتحجيم نفوذ منافسي أمريكا وتركيا، وليثبت الأمريكييون أنهم أوفياء لحلفائهم الأتراك ويمعنون النظر في المستقبل لتأمين مصالحهم.
السيناريو الرابع: الانسحاب محاولة من ترامب للضغط على حلفائه الغربيين والخليج ليتحملوا تكاليف ومصاريف الولايات المتحدة لتقوم بتحجيم نفوذ أعدائهم.
السيناريو الخامس وهو المستبعد: يكون بمثابة إعلان من الولايات المتحدة للروس بتفوقهم عليهم في سوريا، وصعودهم كقوة منافسة في الشرق الأوسط.
أسئلة كثيرة، أجوبة قليلة، سيتم التعرف عليها خلال عدة أيام قليلة قادمة من خلال الوقائع والأحداث التي ستجري على الأرض بعد هذا الفراغ.
عذراً التعليقات مغلقة