مصطفى عباس – حرية برس:
يبدو أن حدة احتجاجات ذوي السترات الصفراء في فرنسا قد تراجعت لأقل من النصف، خصوصاً بعد الاعتذار والتنازلات التي قدمها الرئيس مانويل ماكرون بينها زيادة بمئة يورو للحد الأدنى للأجور اعتبارا من العام المقبل.
لكن تلك الإجراءات لم تلق إجماعا بين صفوف حركة الاحتجاج التي تطالب بتحسين القدرة الشرائية للفرنسيين بشكل أكبر، والسبب الآخر لتراجع الاحتجاجات هو العملية الإرهابية التي وقعت في مدينة ستراسبورغ شمال فرنسا، وراح ضحيتها ثلاثة أشخاص وعدة جرحى، وعاشت المدينة على أعصابها في ظل حديث عن هروب (شريف شكات) منفذ إطلاق النار، قبل أن يُكتشف لاحقاً أنه قد أردي قتيلاً أثناء الاشتباكات مع الشرطة، فكيف رأت الصحافة الفرنسية ما جرى؟
سبت حزين في باريس
نبدأ مع صحيفة اللوموند العريقة التي عنونت “السترات الصفراء في باريس إشارة النصر مع جو ماطر لا يساعد على الحركة”، وتقول الصحيفة إن أقل من ثلاثة آلاف شخص قد تجمعوا مقابل ثمانية آلاف رجل شرطة حفظ نظام، مضيفة أن ليلة السبت خيمت على مدينة باريس مع مطر ثلجي، وأضواء شاحبة، وكآبة وحزن في الشوارع والمقاهي والأرصفة من شارع الشانزليزيه إلى شارع ريفولي، من شارع الأوبرا حتى ساحة سان لازار، لا أحد كان سعيداً بدا كل شيء قبيحاً ورمادياً.
وتتابع الصحيفة أن الغالبية شعرت بالارتياح لأن باريس نفذت من أيدي المخربين، فالجميع ذاق طعم المر الناتج عن الفوضى. أصحاب السترات الصفراء كانوا يرتجفون من البرد وشبه متجمدين، وخائبي أمل، حيث مشوا بتثاقل وظهر مقوص باتجاه محطات أصحاب المتاجر الذين بسبب العديد من المحتجين رفعوا وأنزلوا أغلاقهم الحديدية عدة مرات في اليوم، وظلوا يرتجفون من الخوف حتى المساء.
وتضيف الصحيفة أنه شيء لا يمكن تخيله، أن تنطفئ جذوة الثورة هكذا، من خلال التآكل والتعب وأخطاء المقاتلين. حيث أحصت وزارة الداخلية أقل من 3000 في باريس، 66000 في جميع أنحاء فرنسا، بانخفاض حاد مقارنة بعطلات نهاية الأسبوع السابقة (126،000 في 8 كانون الثاني الحالي).
صحيفة اللوموند عنونت في مقال رأي “السترات الصفراء وشعارات الجدران” حيث حاول الكاتب أن يتناول بالتحليل الشعارات التي كتبها المتظاهرون على الجدران،” فخلال احتجاجاتهم كان الستر الصفراء قد نقشوا على الواجهات عبارات تذكر بالتمرد الشعري لثورة أيار عام 68.
ويتناول الكاتب بطريقة تهكمية من بريجيت ماكرون، ويشبهها بماري انطوانيت. “حسنا، أعطهم الوقود الحيوي!” هذه الكلمات التي يمكن استعارتها بشكل تهكمي من جملة ماري انطوانيت الشهيرة -إذا لم يكم هناك خبز فليأكل الشعب الكاتو-، في هذا الخريف ونسبتها لبريجيت ماكرون، في ظل صخب النقاشات العامة حول السترات الصفراء تم ادخال شعارات ذات جرس موسيقي، ورسمت على الجدران بعجل على الجدران وعلى الأبنية المدنية، لقد تمت العودة إلى التقليد القديم للكتابات السياسية. حيث يمكن لقياس الاحتجاج وعفويته أن يقارن بأحداث 8 أيار التي حاول العديد من المؤرخين ربطها بها.
ماكرون وحاشيته سعداء
صحيفة اللوفيغارو عنونت “ماكرون يريد أن يطوي صفحة السترات الصفراء”، وتوضح الصحيفة أن حركة الاحتجاجات تشير إلى التوقف، والسلطة التنفيذية تطالب بإخلاء الطرق الدائرية كي تتقدم إلى الأمام وتقوم بالإصلاحات.
بحركة إشارة النصر والتصفيق في النهاية للسترات الصفراء”؟ كما هو الحال في التراجيديا التقليدية، يأمل رأس السلطة التنفيذية أن يصل أخيرا إلى النهاية. هذا السبت، تلاشت أعدد “السترات الصفراء” في باريس، وفي المدن الكبرى، وعلى الدوارات والمحاور الرئيسية. “إنه ارتياح يشعر به حاشية رئيس الجمهورية.
استراحة محارب
وكتبت ذات الصحيفة في عنوان جديد “إجراءات جديدة لأصحاب الستر الصفراء” موضحة أن المحتجين لا يريدون أن يتخلوا عن حراكهم، وأن الشعور بوجود حركة ما زال قائماً على نطاق واسع من قبل العديد من المسؤولين الذين يقودون الاحتجاج في جميع أنحاء فرنسا.. يقول أندريه بورلارد وهو أحد قادة الاحتجاج في مدينة لوريان: “بين البرد والمطر والإرهاق بعد شهر من التعبئة أراد البعض أن يستريح”.
نظرية المؤامرة في فرنسا
وفي موضوع عملية ستراسبورغ عنونت صحيفة ليبراسيون اليسارية “لقد كنا نود أن نكون في مكان آخر هذا الصباح” وتوضح الصحيفة أنه في المركز التاريخي لمدينة ستراسبورغ أقيمت مراسم تحية لضحايا التفجير الذي وقع الثلاثاء الماضي. وتصف الصحيفة المراسيم فتقول: الجميع صامتون وعيونهم إلى الأسفل، عبر أهل ستراسبورغ ساحة أوستيرليتز، حيث كان هناك أطفال يلعبون بالثلج ويصنعون رجل الثلج، إن الصور تفرض نفسها عن تلك الليلة، من هذا المكان نفسه المهجور بشكل غريب. المروحيات في السماء، السكان المحصورين الذين اختبأوا في المقاهي والمطاعم، بينما نحن في هذا الصباح، نقيم غداء مثل كل يوم أحد.
وفي عنوان ذي صلة كتبت صحيفة لو باريسيان ” هجوم ستراسبورغ” غسيل دماغ ونظريات المؤامرة تكثر لدى السترات الصفراء”. وتضيف الصحيفة أن الهجوم الذي وقع في ستراسبورغ أثار الكثير من نظريات المؤامرة في بعض أصحاب السترات الصفراء، فضلاً عن الأخبار المزيفة المعتادة بالفعل. فيما آخرون قد نأوا بأنفسهم عن التضامن، قائلين إنه انقلاب نفذه ماكرون لصرف الانتباه.
عذراً التعليقات مغلقة