وليد أبو همام – حرية برس
واحد وسبعون عاماً رسمت آثارها على وجه أبي يوسف، رافقتها الكثير من الآلام التي أصبحت تثقل كاهله، فلم تكن أوجاع جسده الوحيدة التي شاركته حياته بل حظيت أوجاع روحه بالكثير من حياة هذا الكهل بعد أن فقد عزيزاً وبقي من يذكره به كل لحظة..
ينحدر أبو يوسف من بلدة لطمين إحدى البلدات شمالي حماة والتي ذاقت الويلات من جور نظام الأسد ونيرانه، كل ذلك لأنها انضمت لركب الثورة السورية وشارك أبناؤها في معارك التحرير، كان من بينهم يوسف ذلك الشاب المندفع من أجل الحصول على الكرامة المسلوبة. لم يكتب ليوسف أن يرى وطنه محرراً؛ ففي إحدى معارك صدّ هجمات النظام على قرية البليل كان قدر يوسف أن يسقط شهيداً في أرض المعركة تاركاً خلفه ولدين لم يتجاوز أكبرهما ثلاث سنوات.
كانت الأمانة ثقيلة على الحاج أحمد؛ فعمره لم يعد كافياً ليواصل رعاية هؤلاء الأيتام وأمهما وأمراض السكري والديسك تأكل من جسده.
ازدادت الظروف صعوبة بعد أن انتقل مجبراً من بلدته إلى مدينة خان شيخون، ليجد نفسه مضطراً لدفع آجار بيت لا يملك منه شيئاً إلا بمساعدة بسيطة من البعض ومن ولده الوحيد الذي بقي له بعد استشهاد الأول واعتقال الثاني، يحاول جاهداً أن يلبي رغبات طفلي يوسف وأمهما وأطفال ولده محمد المعتقل وجميعهم يعيشون معه فهو ملاذهم الأخير في هذه الدنيا.
يحاول ابنه الذي يعيش بعيداً عن والده أن يقدم الشيء اليسير حسب ما يتيسر له من عمل، لكن هذا كله لا يكاد يكفي عائلته من احتياجات الحياة.
كثيراً ما يجلس أبو يوسف وحيداً أمام البيت يناظر أطفال ولديه يلعبون وهو يحدث نفسه إذا كان قدر هؤلاء الأطفال أن يعيشوا دون آباء فما ذنبهم حتى يرافقوني في حياتي التي لا أعرف منها إلا الألم؟
ربما تكون أمراض الحاج أحمد الجسدية قد أثرت بجسده إلا أن وجعه الكامن في صدره أكبر بكثير، فهؤلاء الأطفال الذين يكبرون أمامه وهو مدرك أنه لن يعيش طويلاً حتى يراهم يعتمدون على أنفسهم وصور ولديه لا تفارقه طالما أن أطفالهما يتحركون أمامه.
عذراً التعليقات مغلقة