ترتكب النساء السوريات ذات الخطأ الذي تقوم عليه الحركات النسويّة، وهو المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة، معتقدات أنّ المساواة هي الطريق الأسلم لتحقيق العدالة بين الرجال والنساء، انطلاقاً من مفهوم الجندر الذي يتعدّى حدود المساواة ليصل إلى حدّ التماثل، متّكآت في ذلك على كتاب “الجنس الآخر” للكاتبة الفرنسيّة “سيمون دي بوفوار” الذي تقول فيه “لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك”.
وحول الأمومة في الجندر تقول سيمون دي بوفوار في ذات الكتاب الذي يعتبر دستور الحركة النسويّة “إنَّ الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة”، ومن هذا المنطلق نجد أنَّ النساء الجندر يعتبرون الأمومة “وظيفةً اجتماعية”، لذلك استبدلن كلمة الأمومة بكلمة “الصحة الإنجابية” ولأنّ الحمل والرضاعة ورعاية الأطفال تشكّل عائقا بوجه “الجندريّات” من ممارسة دورهم الجندري بالمساواة مع الرجل، فقد نادت الحركة النسويّة منذ ستّينيات القرن الماضي بحق المرأة بالإجهاض متى شاءت أو تحديد عدد الأولاد والفارق الزمني بين كل واحد منهم، أو حتّى بأن لا يكون لها أطفال مطلقاً، دون اخذ رأي والد الطفل، ومن هنا حرصت الحركة النسويّة على توصيف الأمومة بأنّها “وظيفة اجتماعيّة” لا غريزة، وهذا موضّح في الفقرة (ب) من المادة الخامسة من اتفاقيّة “سيداو” التي اعتمدتها الأمم المتّحدة عام 1979 والتي ذكر فيها مصطلح الجندرة لأوّل مرّة.
إنّ من أخطر مطبوعات الأمم المتّحدة حول الجندر هو كتاب “الأسرة وتحديات المستقبل” والذي صنّف الأسر إلى 12 نوعاً، منها أُسر الجنس الواحد -أي الشواذ- وتشمل أيضًا النساء والرجال الذين يعيشون معاً بلا زواج، والأسرة ذات المعيل المنفرد –أي النساء اللاتي ينجبن الأطفال سفاحاً- وأعطتهم الحق بذلك، كما أنّ التقرير الذي أعدتْه لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة عام 2004، اعترف رسميّاً بالشذوذ وحماية حقوق الشواذ، والسعي لقَبولهم في المجتمع، واعتبر ذلك تعبيرًا عن المشاعر، ودعمًا لتعليم الممارسة الجنسيَّة بمختلف أشكالها الطبيعيَّة والشاذَّة.
من هنا تأتي خطورة ما تنادي به الحركات النسويّة السوريّة الراديكاليّة المطالبة بالجندر وحقوق المرأة، كإلغاء دور الأب ورأيه المطلق في المنزل، أي أنّ لكل فرد في المنزل حريّة التصرف المطلقة، مستندات في ذلك على برامج جاهزة لا تتناسب مع طبيعة مجتمعنا الشرقي، فهذه البرامج تقوم أساسًا على معاداة الرجل، واعتباره خصم للمرأة لا مكمّل لها وقائم عليها، ممّا يؤدّي إلى تفكّك أسري وهذا هو المطلوب من تلك البرامج، في مجتمع لطالما باهى العالم بتماسك الأسرة فيه.
بالعودة إلى الخطأ بأن تطالب المرأة بالمساواة، هو أنّ العدالة تكون بين شيئين مختلفين لا متساويين، وبالتساوي بين الجنسين تنتفي المطالبة بالعدالة، وهذا يعني أنّه يتعيّن على المرأة ألّا تطالب بـ”الكوتا” مثلاً، أو بمهر الزواج، وبكثير من حقوقها كامرأة، لتصل إلى تحقيق المساواة.
لا يمكن للمرأة من وجهة نظري أن تحقّق المساواة مع الرجل، أو أن تكون خصما له، أو حتّى أن تستغني عنه، فـ”نوال السعداوي التي تعتبر أحد رموز النسويّة، والتي حاربت الرجل طيلة مسيرتها المنادية بالمساواة، تزوّجت ثلاث مرّات، وأمّا “سيمون دي بوفوار” التي تعد المرجعيّة والمشرّعة للجندر، أصبحت سحاقيّة، فقط لتثبت أنّ المرأة يمكنها الاستغناء عن الرجل حتّى في الغرائز الجنسيّة، وهذا ما أكّدته ابنتها بالتبنّي “لوبون دي بوفوار” التي كتبت مذكّرات سيمون، وحتّى حركات النسويّة التي ظهرت في القرن التاسع عشر لم تستطع تحقيق المساواة حتّى الآن، لا أحد يمكنه أن يتحدّى الطبيعة أو يغيّرها.
لذلك أرى أنّ ما يجب أن تطالب به المرأة في سوريا هو العدالة وليس المساواة، فأنا لا أنكر أنّ المرأة في أغلب مناطق سوريا لم تعامل بعدالة ولم تمنح حقوقها في التعليم والعمل والرأي والإنسانيّة وفي جوانب كثيرة، وأقرّ بأن كثير من الرجال في تلك المناطق مارسوا سلطة ساديّة على المرأة، وكأخ وزوج وابن ووالد للمرأة، سأبقى أدافع عن حقوقها، وأطالب أن تكون هناك عدالة تنصفها، لكن في نفس الوقت لا أريد أن تستمر النسويّة السوريّة في السير على طريق تفكيك الأسرة والمجتمع من خلال بثّ برامج وأفكار غير محسوبة أو مدروسة، لا تتلاءم مع طبيعة مجتمعنا الشرقي، وقد تتسبّب بعواقب وخيمة.
لذلك على النسويّة أن يسلكن الطريق الأقصر والأكثر فاعليّة، وأن يطالبن بالعدالة لا المساواة، فهذا قد يحقّق نتائج أفضل نحو نيلهنّ كامل حقوقهن، بدل أن يدرن في حلقة مفرغة، أو أن يدخلن في متاهة مطالب غير ذات جدوى لا مخرج لهنّ منها.
عذراً التعليقات مغلقة