كثيراً ما نسمع ونرى على مختلف القنوات والمواقع مُصطلحاً يُطلق عليه اسم الإرهاب، سواء ما يلفظه رجال السياسة أو ما ينطقه رجال الدول، أو ما يُنادي به عامة الناس لمن يستخدم العنف والقوة لتحقيق هدفٍ سياسيٍ – فكريٍ أو غيره.
فالأسئلة التي تطرح نفسها دوماً كثيرة ولا أجوبة محددة لها، وتكمن بعضها في عدة أسئلة تكاد تُسأل يومياً: ما المقصود بالإرهاب؟!، ما هي أنواعه؟!، في أي نطاقٍ جغرافي يعيش ويتدفق هؤلاء الإرهابيون؟!.
من الناحية اللغوية الإرهاب يعني: الخوف والفزع والرعب، وتقابله في الأجنبية كلمة (terror)، أما في قاموس أكسفورد: جاء تعريف الإرهابي: بأنه الشخص الذي يستخدم العُنف لضمان نهايةٍ سياسية، ومن الناحية الإصطلاحية: عرفها هينر هيس بأن “الإرهاب سلسلة من أعمال عُنف شديدة لا يمكن التنبؤ بها، ويتم تنفيذها بشكل منظم، دون أن يتمثل الهدف في القضاء جسدياً على الضحايا فحسب، بل في الدرجة الأولى، إحداث أكبر تأثير نفسي على الحكومات والرأي العام، في إطارِ إستراتيجية سياسية شاملة”.
الإرهاب في الحقيقة لا يمثل ديناً أو قوميةً أو طائفةً بعينها، بل هو ردة فعلٍ على تخلفٍ إجتماعي، إقتصادي، وسياسي تعيشه الشعوب الفقيرة فكرياً ومادياً، فعلى الرغم من الواجهة الإسلامية للتنظيمات المتطرفة، لكننا لا نستطيع ربطها بدين الإسلام أو القومية العربية، لأننا نستطيع أن نعدد تنظيماتٍ أخرى تمارس الإرهاب في دولٍ أخرى؛ كمنظمة العمل المباشر في فرنسا وبلجيكا، وجماعة الألوية الحمراء في إيطاليا، وعصابة البادرماينهوف في ألمانيا، وبعض الجماعات المحسوبة على الباسك في إسبانيا، حيث كان هناك عدد كبير من الضحايا لجرائم هذه العصابات، فهل نستطيع القول بأنها تمثل المسيحية الأوروبية، الجواب يكون بـ لا، وكذلك العلاقة بين داعش والإسلام.
فقبل سيطرة تنظيم داعش على مدينة شنگال “سنجار” ذات الغالبية الكردية الإيزيدية، حين كان الكرد المُسلمون هناك يعيشون إلى جانب إخوانهم الكرد الإيزيدين، وكلُُّ يُمارس شعائره الدينية بحرية مُطلقة دون تعدي الأول على الثاني والعكس صحيح، وبالتالي فإن الناس كانت وما تزال تدرك بأن التنظيمات المتطرفة هدفها الخراب والدمار، وليست مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدين مُعين أو طائفة مُعينة، بل مُرتبط بمصالح دولية تتخفى بزي محاربة الإرهاب من جهة، وإنشاء الإرهاب من جهة ثانية فقط للسيطرة على الدول النامية فكرياً، والمرتبطة ارتباطاً شديداً بالمعتقدات الدينية والمذهبية، مما يجعل التلاعب باسم الدين غايةً أساسية لتحقيق ما يبتغيه صانع الإرهاب.
ثمة تصنيفات مختلفة لأنواع الإرهاب، وفقاً للجهات التي تقوم به، أو وفقاً للنطاق الذي تمارس فيه، فعلى أساس الجهات التي تقوم به، يمكننا التمييز بين نوعين منهم، وهو الإرهاب غير الحكومي الذي تمارسه فواعل غير حكومية، أمثال: الحركات العقائدية أو الدينية المتطرفة، أو الجماعات الإنفصالية القومية، أما الإرهاب الحكومي يسمى هذا النوع بإرهاب الدولة، الذي تقوم به الحكومات والأنظمة الدكتاتورية والشمولية، غايته ترهيب خصوم النظام، أو القضاء على المعارضة وتوطيد السُلطة، من أمثال ذلك: ستالين والتطهير الكبير خلال الأعوام 1936 – 1939.
أما من حيث النطاق، فيمكننا التمييز أيضاً بين نوعين أساسيين للإرهاب، وهما :الإرهاب المحلي الذي يتم ضمن حدود دولة واحدة، سواء مارسته الدولة أو جهات غير حكومية، مثل: ما تمارسه الحكومة والجماعات في كل من الهند وبورما ضد السكان المسلمين، أو مثل منظمة “جيش الله” المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الداعين إلى حقوق المرأة ، والإرهاب الدولي الذي يشمل أكثر من دولة من حيث تنظيمه ودائرة نشاطه وأهدافه، والميزة الجوهرية لهذا النوع يكمن في بنيته الشبكية، إذ له خلايا لامركزية ذات تنظيم شبه مُستقل، وهي ترتبط مع بعضها البعض بشكل وثيقٍ ومتباين منتشرة في العالم، ولها مراكز ثقل محلية أيضاً، من أمثلة ذلك: تنظيم القاعدة وداعش.
يرى الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابيه أمريكا المستبدة، و11 سبتمبر، أن أمريكا دولة إرهابية رائدة دولياً، إذا تسببت في قتل الآلاف من الأبرياء في أمريكا اللاتينية وأفغانستان والعراق وغيرها، وبحسب تشومسكي فإن من ارتكبوا أحداث 11 سبتمبر ينتمون إلى جيوش المرتزقة التي تم تنظيمها وتسليحها من قبل الإستخبارات الأمريكية ال سي آي أي وجهات دولية أخرى سابقاً، وفي الوقت الحاضر، أصبح الإرهاب بديلاً للعنف السياسي في الحروب التقليدية، ووسيلةً ناجعة للتأثير على القرار السياسي، سواء بالإنشاء أو الإلغاء أو التعديل، بما يتفق مع أهداف الجهات القائمة به، و أصبح الإرهاب أسلوباً تستخدمه الدول في إكراه خصومها على تنفيذ ما تطالب به من أوضاع جديدة في مجال السياسة بين الدول، لذلك لم يعد الإرهاب في نوعه الدولي قضية جماعات أو منظمات تعمل لتحقيق أهدافها، وإنما قضية دول وحكومات تستخدم منظمات إرهابية في صراعها مع دولة أو دولٍ أخرى.
ويرتبط استمرار الإرهاب ومعالجته في العالم بالأسباب التي أدت إلى ظهوره، فإذا كانت هناك أعمال إرهابية تستحق العقاب، فإن هناك أعمالاً أخرى ترتبط بقضايا سياسية وإجتماعية نابعة من المظالم التي تعاني منها بعض الشعوب الفقيرة والمقهورة، وهو ما قد إعترفت به منظمة الأمم المتحدة في تقريرها للعام 1979، أي منذ حوالي أربعة عقودٍ من الزمن، بأن قضية الإرهاب صعبة الحل، لأنها قضية شديدة التعقيد، حيث اتهمت منظمة الأمم المتحدة الدول الكبرى مسؤولية تفشي ظاهرة الإرهاب العالمي من خلال إستخدامها لحق النقض الفيتو لتحقيق مصالحها، دون أدنى مراعاة لحقوق الشعوب والدول الفقيرة.
عذراً التعليقات مغلقة