ديرالزور المنسيّة، المدينة السوريّة التي خذلها الجميع، خذلها القريب قبل البعيد، وهي التي لم تخذل أحداً يوماً، وأهلها طيّبون كُرماء، أحرار رفضوا الظلم والاستبداد، وقارعوا جميع أنواع المحتلين، ولم يتوانى أبناؤها يوماً في تقديم الغالي والنفيس في سبيل الحريّة والكرامة وتحقيق العدالة.
همشها نظام الأسد لعقود، حتى باتت منسيّة تماماً وغائبةً عن أذهان الجميع، ومع انطلاقة ثورة آذار 2011 التحق أبناؤها في ركب الثورة باكراً، فهتفوا لدرعا ولحمص ولجميع المناطق الثائرة، ثم قارعوا نظام الأسد وجيشه المجرم، وحرروا مناطقهم بدماء أبنائهم.
اليوم أهالي تلك المدينة يدفعون الثمن غالياً، فلم تبقَ قوى ظلاميّة وإجراميّة إلا ونكّلت وفظّعت بأبنائها الذين ذاقوا جميع أصناف العذاب والقهر والموت على يد هؤلاء المجرمين. بدايةً بنظام الأسد الذي ارتكب عشرات المجازر بحقّ المدنيين، مروراً بتنظيم داعش الإرهابي الذي قتل المئات من أبناء المدينة، وليس انتهاءً بمليشيات “قسد” وقوات التحالف الدولي التي ترتكب المجازر بشكل يومي بحجة “محاربة الإرهاب”.
لا أعلم إن كان البعض قد سمع عن مدن وبلدات شرق الفرات وما يحصل بها الآن، تلك البقعة المنسيّة الواقعة على أكتاف الفرات، لا يكاد يمر يوم إلا ويرتقي فيها عشرات الشهداء، في كلّ يومٍ مجزرة، وفي كلّ يومٍ ألم وقهر جديد، نساء وأطفال يقتلون يومياً ويدفنون تحت أنقاض منازلهم على يد قوات التحالف الدولي، الذي يدّعي محاربة الإرهاب ويمارسه بالوقت ذاته على النساء والأطفال بحجة وجودهم بمناطق سيطرة داعش.
هجين والسوسة والباغوز والشعفة، مدن وبلدات صغيرة تقع شرقي الفرات، يتواجد بها قرابة الأربعين ألف مدني، تتعرّض يومياً ومنذ عدة شهور لعشرات الغارات الجوّية من قبل طائرات التحالف الدولي، بعضها بالقنابل الفوسفورية المحرمة دوليّاً، ولا تفرق بين مدني وداعشي، أوقعت المئات من الشهداء في صفوف المدنيين غالبيتهم من النساء والأطفال، جميعهم رحلوا بصمت، بعيداً عن ضجيج هذا العالم المتخاذل.
يومياً تستهدف الطائرات بغاراتها المساجد والمنازل والأحياء السكنية، بينما أرتال داعش “تسرح وتمرح” في البادية أمام أعينهم ولا أحد يستهدفها، والسبب أن التحالف له مصلحة في الإبقاء على “داعش” ولو أرادوا القضاء عليه لما صمد التنظيم أمامهم لبضع ساعات حتى، ولكنهم يريدون إبقاءه كشماعة لهم في المنطقة، ويريدون تحقيق مكاسب سياسية على حساب دماء الأبرياء.
وعلى الرغم من فظاعة المجازر المرتكبة، والأرقام المرعبة لضحاياها، فلم تلقَ مدينة ديرالزور أي اهتمام من قبل وسائل الإعلام الثورية أو العربية، لا بل عملت بعض القنوات والمراصد على تبرير قصف مناطق ريف ديرالزور بأنها حاضنة “لداعش” وأن القتلى جميعهم من عوائل التنظيم، علماً أنّ الضحايا تم توثيقهم بالأسماء وجميعهم مدنيون من أبناء ريف ديرالزور ولا علاقة لهم بالتنظيم.
ما يحصل اليوم في مناطق شرقي الفرات، هو حرب إبادة جماعية تشنّها قوّات التحالف الدولي ضد المدنيين الأبرياء بحجة محاربة تنظيم “داعش”، والمجازر التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي على مدى الأشهر الماضية هي “جرائم حرب” وجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدوليّة.
عذراً التعليقات مغلقة