أخيرا، وصل الإرهاب إلى عَلم الثورة السورية، بعد أن اجتاز رحلة طويلة أزهق خلالها روح الحراك السلمي، وثورة الحرية، والمقاومة الشعبية، والجيش الحر، ومئات آلاف الضحايا الذين فارقوا الحياة، ومثلهم من كانوا سيفضلون لو أنهم فارقوها على عيشٍ هو الموت الزؤام.
ليس من أسموا أنفسهم “مهاجرين”، وزعموا أنهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى دعوة من الثورة أو الشعب السوري، ليهرعوا لنصرة شعبها، غير مشبوهين أتوا لتنفيذ مهمة محدّدة، هي ذبح أكبر عدد من سكان المناطق التي خرجت الأسدية أو أخرجت منها، ونهب ثرواتها، وتهريب آثارها، وانتزاع ممتلكات أبنائها، وخطف فتياتها وشبانها، وانتهاك حرماتهم، وسلبهم حريتهم، والقضاء على بصيص الحرية الذي كانوا قد انتزعوه من أشداق وحش دمشق، في الفترة بين إخراج جيشه من مناطق الثورة، ووصول “المهاجرين” المزعومين إليها، الذين ما لبثوا أن تفرّغوا للغدر بالسوريين، وكتم أنفاس الذين شاركوا منهم في ثورة الحرية، وإقناع العالم بأنهم ليسوا طلاب حرية وكرامة، بل حلفاء لإرهابيين لا يستحقون الحياة. لذلك: الأسد أفضل لأمن البشرية وسلامها منهم، وإلا ما معنى أنه لم يبق في “مناطقهم المحرّرة” غير إمارة الجولاني المسمّاة “هيئة تحرير الشام”، التي ترفض الاعتراف بأي هيئة أو مؤسّسة سبق أن محضها السوريون ثقتهم، أو اعترف المجتمع الدولي بها ممثلا لهم، وأنها تعرّض مواطني الشمال السوري للقتل المجاني، بأيديها وأيدي روسيا وإيران والأسدية، وتعلم أن إمارتها الإرهابية لن تكون إطلاقا بديل الإمارة الأسدية، بقرار دولي من عالمٍ يعرف أنها بديل شعب وثورة سوريَين، وأن عبثية وجودها بين ظهراني الآمنين لن تنتج غير مزيد من التضحية بهم، بحجة مكافحة إرهابها الذي ينعم بالأمان؟
لم يكن ما ارتكبه “المهاجرون” من جرائم بشرية وسياسية أمرا عرضيا، بل كان خطةً نفذوها بإحكام، وإلا ما معنى نشر قواهم الرئيسة في مناطق الثورة وحدها، وعدائهم ثورة الحرية، وإقامة دولةٍ لتنظيم داعش وإمارة إسلامية لجبهة النصرة، شكلت “حكومة إنقاذ”، و”جمعية تأسيسية” قرّرت اختلاق بديل لعلم الثورة، حذفت نجومه الحمراء التي تذكّر بدماء الشهداء، واستبدلته بآخر تتوسطه كتابةٌ دينية، ليس لأن الإمارة تحترم الإسلام، وإنما لإثبات أنها القوة التي تنفرد بالسيطرة على الشمال السوري. وتستطيع تحدّي تركيا، ومن يفكرون بإخراجها من المنطقة، وأن الأمر لا علاقة له بإعلاء شأن الدين ورفع رايته، ولو كان هذا هدفها لاحترمت حرية المسلمين وإرادتهم، ولما قضت على خمسة عشر تنظيما من الجيش الحر، كانت تقاتل الأسدية وتدافع عن السوريين، ولما قتلت الأبرياء وزجّت آلافا منهم في سجونٍ أين منها أسوأ سجون الأسد، وفنون التعذيب التي تمارس فيها وتعرّض لها ملايين السوريين، إناثا وذكورا، وتنافسها الإمارة في كل ما له علاقة بالتعذيب والتجويع والإذلال والموت بالجلطة؟
رفضت جبهة النصرة علم الثورة، لأنها لم تنتم إطلاقا إليها، ولو يوما واحدا. وقرّرت إخبار السوريين أن ثورة المليون شهيد انتهت، وأن علمها، آخر ما هو باقٍ من آثارها، لم يبق له ما يرمز إليه، ولذلك استبدلته بعلم الإمارة، رمز انتصارها عليهم الذي سيرفرف فوق قبر حريتهم، ويزفّ بشرى لطالما انتظرتها الأسدية، هي أن المهمة نفذت، والثورة التي كانت سفينة نجاة السوريين قد أغرقت بيد جبهة النصرة، كما تغرق سفينة، ويكون علمها آخر ما يغيب منها.
عذراً التعليقات مغلقة