أصدرت حكومة الإنقاذ قراراً جديداً تستبدل فيه النجوم الحمراء في علم الثورة بعبارة التوحيد (لا إله إلا الله)، في محاولة جديدة متجددة منها لتشويه صورة الثورة والدفع باتجاه الصراعات غير المجدية ولا تصب لصالح الثورة.
لقد صبّ النظام جلّ جهوده من أجل تشويه صورة الثورة السورية ودفعها باتجاه صراعات جانبية غير أخلاقية بعيداً عن الصراع الأساسي، بين الشعب السوري المناضل لأجل تحقيق الحرية والديمقراطية وبين النظام المستبد القاتل الناهب لثروات شعبه العميل للقوى الأجنبية المسهل لهم نهب خيرات البلاد والذي منع أي تطور صناعي وزراعي وعلمي في سوريا وفتح أسواق البلد على مصراعيها أمام الشركات الكبرى وعمل سمساراً ومروجاً لبضائعها بدلاً من تشجيع الصناعة الوطنية.
كلنا يذكر أن من بين الأساليب التي اتبعها النظام في محاولات تشويهه للثورة هو إخراج المساجين الجنائيين بعفو صدر عن رأس النظام شملهم هم فقط ولم يشمل معتقلي الرأي، وسلح قسماً منهم وجعلهم في مقدمة شبيحته كي يتصدوا للحراك الشعبي الثائر على نظامه، ولما فشل هذا التوجه؛ قام بدفع قسم آخر منهم نحو التسلح وأدخلهم ضمن الحركة الشعبية محاولاً تشويه صورتها وجعلها ثورة حرامية ولصوص، وبالتزامن مع هذا الفعل قام بإخراج قادة العمل الجهادي المتطرف من سجونه وسهل لهم الحصول على السلاح وتجميع مريديهم وكوادرهم وجاءت الدول الخائفة من الثورة السورية لتمد هذه القوى بالأموال والسلاح حتى سيطرت على مساحة كبيرة من الوطن السوري، المساحة التي حررها الحراك الشعبي بدماء أبناءه، وقامت تلك القوى بنفس ممارسات النظام في مناطق سيطرتها، فمنعت أي حركة سياسية وقمعت الحريات ولاحقت الصحفيين واختطفتهم وقبضت الأموال لقاء تحريرهم من سجونها، أو قتلتهم على شاشات التلفزة ثم لاحقت النشطاء الإعلاميين الذين سد فراغ غياب الصحفيين المحترفين وتأبطوا كاميرتهم وقلمهم وبدأوا بشجاعة نادرة التصدي لمهمة نقل إجرام نظام الأسد والمعاناة الإنسانية التي يعيشها الناس في ظل القصف والقتل والتدمير لوسائل الإعلام العربية والدولية.
هذه القوى الإسلامية لم تسلم فقط المناطق التي كانت تحت سيطرتها والتي حررها ثوار 2011 من قبضة عصابة الأسد، بل أفرغت تلك المناطق من الكتلة السكانية الرئيسية الثائرة على النظام والتي كانت تشكل خطراً كبيراً عليه وبهذا قامت بإسداء خدمات جليلة للنظام.
اليوم ومع توقف العمل العسكري في إدلب، وبدء الحديث عن الحل السياسي وحصر النظام في الزاوية وعودة الحراك الشعبي الجماهيري للنشاط وفضح نظام الأسد وإبطال كل حججه وكلنا يذكر تصريح المندوب الفرنسي في مجلس الأمن “فرانسوا ديلاتر” الذي قال أن تلك المظاهرات دليل على كذب ادعاءات الأسد وروسيا بأن إدلب تؤوي “الإرهابيين”، بحث النظام عن طرق لتفتيت العمل الشعبي كما فعل بالقوى العسكرية، وكانت قوى الإسلام السياسي حاضرة دوماً لتنفيذ المهام المطلوبة منها بكل أمانة.
لقد سعت تلك القوى وبالتوازي مع سعي عملاء الكيان الصهيوني لدفع الثورة باتجاه معارك جانبية مع قوى أخرى محسوبة على الثورة تخدم أجندتها الحزبية بالهيمنة كما فعلت دوماً خلال السنوات الثماني من عمر الثورة السورية، مستخدمة أساليب غير أخلاقية ومستفيدة من غضب الناس متلاعبة بالمعلومات ومختلقة للأكاذيب كي تبرر هذه المعارك الجانبية غير المجدية والضارة للثورة في هذا الوقت، وها هي اليوم تفتح معركة جديدة في سعي محموم من أجل الهيمنة والسيطرة على مجمل الحراك الشعبي الجماهيري من خلال ابتداع علم يحمل شعار التوحيد.
في 25/3/2011 كنا في أول مظاهرة حاشدة تخرج ضد نظام الأسد في حمص وتصل للساعة الجديدة، وأقول أول مظاهرة حاشدة وليس أول مظاهرة، فقد سبقتها مظاهرة في 18/3/2011 لم تتجاوز أعتاب أسوار مسجد خالد بن الوليد وتعرضت لقمع شديد من قبل مخابرات الأسد وتم إجهاض المظاهرة يومها، في الأسبوع التالي وكنا أول مرة نصل لساحة الساعة الجديدة دفعت أجهزة المخابرات بعدة عشرات من المواليين لها الحاملين لصور القاتل بشار الأسد باتجاه الاصطدام مع الآلاف الذين يتظاهرون ضد نظام الأسد يطالبون بالحرية والديمقراطية، وبدأت بوادر الاصطدام إلا أن تدخل العقلاء أنقذ حياة هؤلاء العشرات من الموت بأيدي المتظاهرين الغاضبين وأنقذ الحركة الشعبية الثائرة من الإصابة بمقتل عبر تلوثها بدماء متظاهرين آخرين مختلفين معها بالفكر، وهذه الخطة الخبيثة تحاول النصرة تكرارها عبر زج عناصر موالية لها في مظاهرات تحمل العلم الجديد في مواجهة متظاهرين آخرين يحملون علم الثورة وبهذا تكون ذريعة لها للتخلص من الحركة الشعبية التي عادت للتظاهر ضد النظام تطالب بالحرية وستشكل خطراً على وجودها، لهذا فالهدف الرئيسي لحكومة النصرة من خلال هذا العلم هو الدفع باتجاه انقسام بين المتظاهرين وخلق صراعات بينهم تؤدي للهيمنة على النشاط الثوري ومنعه بحجة أنه يخالف القانون الذي صدر يعتمد العلم الجديد.
هذا العمل سيسعد نظام الأسد بالتأكيد لأنه سيثبت المقولة التي يروج لها بأن إدلب تحوي “إرهابيين” يتحكمون ويسيطرون على العمل العسكري والنشاط الجماهيري الثوري ويساعده في الترويج لهذه المقولة أمام الرأي العام العالمي، وبهذا يسهل ويشجع الاعتراف به على أنه حامي السوريين والأقليات، وبهذا نرى أن القرار الجديد يصب في خدمة النظام بشكل كامل.
عذراً التعليقات مغلقة