مع اقتراب فصل الشتاء، ينهمك عدد من النازحين في تدعيم وتثبيت خيامهم المهترئة. بعد مرور عام على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة الرقة في شمال سوريا، لا يجد هؤلاء بديلاً عن مخيم عين عيسى بعدما تدمرت منازلهم وضاقت بهم سبل العيش.
على وقع المعارك العنيفة التي شهدها مدينة الرقة لأربعة أشهر متواصلة قبل طرد التنظيم منها في 17 تشرين الأول/اكتوبر 2017، فرّ غالبية سكانها إلى مخيمات أو تشردوا في المزارع والقرى القريبة.
وبرغم عودة عشرات الآلاف من السكان خلال العام المنصرم الى المدينة، لا يزال بضعة آلاف في مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي يعيشون في ظروف صعبة، ينتظرون المساعدات ويتحسرون على منازل لا قدرة لهم على إعادة بنائها.
ويثبت رجال ونساء الخيام لحمايتها من الأمطار. وتقول بتول سباكة (32 عاماً) التي تقيم في مخيم عين عيسى منذ سنة وتسعة أشهر، “ليست لدينا القدرة على إعادة إعمار منزلنا، لو كان بإمكاننا ذلك لما بقينا في المخيم”.
وتروي بتول التي وضعت على رأسها حجاباً أسود مرقطاً بورود زهرية اللون، “حين رأيت منزلي مدمراً، صرخت من شدة الحزن، لم يكن لدينا سوى غرفتين ومطبخ، تدمر كلياً”.
وبرغم الحياة الصعبة التي تعيشها وأطفالها، تقول بتول “هنا على الأقل، يوجد خبز ومياه، وأهم شيء يوجد خيمة تأوينا، الخيمة هي المأوى”، مضيفة “لم يتضرر من الأحداث سوى الفقير”.
في مخيم عيس عيسى، تنتشر الخيم البيضاء والزرقاء البلاستيكية التي تحمل شعار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وعمد بعض السكان إلى توسيع خيمهم مستخدمين الأغطية، واكتفى آخرون بخيم اهترأت مع مرور الوقت.
في مكان قريب، تنهمك امرأة في وضع التراب حول أطراف خيمتها لحمايتها من أمطار الشتاء المقبلة، كما يعمل شاب على تثبيت خيمة عائلته بعدما خربتها عاصفة رملية ضربت المنطقة.
“لا مأوى سوى المخيم”
ويأوي مخيم عين عيسى حالياً، بحسب مسؤول المخيم جلال العياف، نحو 13 ألف نازح، بينهم أربعة آلاف من مدينة الرقة.
ويقول العياف “ذهب البعض ووجدوا منازلهم مدمرة، وبما أن لا إمكانات مادية لديهم، عادوا إلى المخيم”.
بعد عام على سيطرة مليشيا قوات سوريا الديموقراطية عليها، لا يزال الدمار يطغى على مدينة الرقة. وقد قدرت منظمة العفو الدولية الدمار بـ80 في المئة من مساحة المدينة التي تضم 30 ألف منزل مدمر و25 ألفاً شبه مدمرة.
ويجلس العجوز مشهور المعجون الوكاع (73 عاماً) على كرسي متحرك أمام خيمته، وهو الذي بُترت رجلاه وفقد نظره بعد تدهور وضعه الصحي الناتج عن مرض السكري.
ويشكي الوكاع حاله قائلاً “بيتنا راح، المخيم بات أفضل لنا، ليس لدينا مكان آخر نمكث فيه، لا يأوينا سوى المخيم”.
وتتساءل زوجته “بيوتنا دمرتها الحرب، لا نريد العيش في هذا المخيم، ولكن كيف لنا أن نعيش في منزل مدمر؟”.
عند أطراف المخيم، يلهو أطفال على بعض الأراجيح، ويدرس آخرون في خيم تحولت إلى غرف صف، فيما يقف البعض أمام خيمة للحصول على دفاتر وأقلام توزعها منظمة محلية.
في مكان قريب، تقف مجموعة من النساء قرب خزان مياه لتعبئة عشرات العبوات البلاستيكية التي وضعنها جانباً. وتنهمك امرأة في غسل ثياب عائلتها في إناء كبير على الأرض وقد علقت على حبال خيمتها ثياب الغسيل النظيفة الملونة.
في إحدى الخيم، تعمل نساء على رص الزيتون الأخضر قبل كبسه.
ويتسوق النازحون من سوق عند مدخل المخيم، يشترون ما يحتاجون من خضار ومواد غذائية لطبخها على مواقد صغيرة.
شكوى من الرقة
وتراجعت المساعدات عن مخيم عين عيسى بشكل كبير خلال العام المنصرم. ويقول العياف “تقاعست المنظمات خلال الفترة الماضية، ولم تعد تقدم شيئاً، لا سلال غذائية ولا منظفات، هناك خيم مهترئة ونحن مقبلون على فصل الشتاء”.
ويتحدث سكان عن تأخر توزع المساعدات الغذائية لأكثر من شهرين في بعض الأحيان.
وبالإضافة إلى الأنقاض المنتشرة في كل مكان في مدينتهم، يلاحق شبح الألغام السكان العائدين إلى مدينة الرقة. ولا يزال التنظيم المتطرف قادراً على زرع وتفجير عبوات ناسفة وشن هجمات داخل المدينة التي ينتشر فيها عناصر أمن محليون ومن مليشيا قوات سوريا الديموقراطية.
وعاد حتى الآن، وفق الأمم المتحدة، 150 ألفاً من سكان مدينة الرقة، إلا أن مصطفى العبود (31 عاماً) ليس بينهم.
ويقول الوالد لثلاثة أطفال “الوضع الأمني سيء، إنها ليست الرقة القديمة التي نعرفها، اعتقدنا أننا سنرتاح بعد تحريرها، الواحد منا يريد فقط أن يعيش بأمان، والمخيم اليوم أكثر أمناً من الرقة”.
ويضيف الشاب الأسمر من داخل خيمته البلاستيكية البيضاء، “من يذهب إلى الرقة، يشتكي من الرقة”.
* المصدر: أ ف ب
عذراً التعليقات مغلقة