باتت إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم أساس عودة علاقات دول الجوار إلى طبيعتها مع نظام الأسد لما كانت عليه قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011، الأمر الذي يتجه إليه الأسد لأسباب عدة بعد احتلاله للمناطق التي كانت خارجة عن سيطرته، أهمها: الظهور بمظهر المنتصر، وأن سوريا أصبحت آمنة وهذا ما يستدعي إعادة الشعب الذي هجّره إلى الأراضي السورية، ليتم بعد ذلك استجلاب الأموال وإعادة الأعمار.
إلا أن الموقف هنا يثير الريبة والشكوك حيال ما يفعله الأسد مع السوريين السنّة، حينما يرفض عودتهم إلا بأعداد قليلة إلى منازلهم في سوريا على أسس طائفية، وبالتحديد إلى المناطق التي قام بتدميرها حينما كانت تحاول قواته اقتحامها والسيطرة عليها، ليقوم بتغييرها ديموغرافياً رافضاً عودة أي أحد من أهلها، وهذا ما أكده وزير الداخلية اللبناني معين المرعبي قبل أيام بهذا الشأن متحدثاً عن رغبة النظام بعودة الموالين له من بقية الطوائف ورفض عودة عائلات سنّية بأكملها إلى مناطق القلمون الغربي والقصير.
هذا الأمر دعا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل كل سوري في لبنان صوّت لصالح رأس النظام بشار الأسد خلال الانتخابات التي جرت في العام 2014، بأن يعود إلى بلده، إضافة إلى كل شخص ذُكر في ملفه لدى مفوضية اللاجئين أنه هارب من العصابات المسلحة، وكل شخص يدخل ويخرج من سوريا بشكل قانوني، ومسجل لدى مفوضية اللاجئين، وهنا يمكننا القول بأن المستهدفين من إعادتهم لسوريا هم الموالون فقط، حتى يزيل النظام كابوس الثورة والثوار والشعب السوري الثائر الذي وقفه بوجهه، متأكداً من عدم عودة الحراك الثوري حينما بدء عام 2011.
الحكومة اللبنانية كانت تنتظر الفرصة التي تسمح لها بإعادة السوريين إلى سوريا على أحر من الجمر، لكن لم تدرك أن نظام الأسد يريد أن يجرد السوريين الذين خرجوا بثورة الحرية من كل شيء يتعلق بهم في سوريا، ورغم محاولات لبنان الحثيثة لعودتهم إلا أن السؤلين هناك أدركوا الآن أنه لن يعود لمناطق النظام سوى الموالين له، وسيبقى الشعب الثائر الرافض لحكم الأسد خارج الأراضي السورية حتى يشاء القدر بالعودة.
الأسد يسعى للترويج عبر إعلامه لمشاريع إعادة أعمار وهمية، ليزعم أمام الرأي العام أن حكومته تجاوزت ’’الأزمة‘‘، وأن الحياة عادة لطبيعتها بعد أن دمر سوريا وهجّر كل من يعارضه من أهلها بعيداً عن مناطق سيطرته، مفسحاً المجال لداعميه بالتحكم في زمام الأمام، وعمد لإصدار القانون 10 الاحتيالي لاغتصاب عقارات كل من ثار على النظام بوسائل غير قانونية، فضلاً عن أن إيران قد مضت قدماً في الاستيلاء على الشركات السورية وعقارات البناء وتنفيذ وحدات سكنية ضمن مشاريعها للإسكان.
التغيير الديموغرافي الذي يعمل عليه الأسد يتزامن مع السعي لإعادة السوريين إلى سوريا، ويتزامن أيضاً مع طرح المخططات التنظيمية للمناطق التي دمرها وهجّر سكانها، وربما كان ذلك من أجل إحصاء للذين سيعودون إلى مناطق النظام ويكونون موالين له قبل البدء بعملية ’’إعادة الأعمار‘‘ التي يجعل منها عباءةً لتنفيذ مخططاته بالاستيلاء على الأملاك بشكل علني، لا سيما أن المهجرين الذين اضطروا لترك منازلهم لن يستطيع معظمهم إثبات ملكيته، مقابل توطين آخرين ممن يسمح لهم شراء تلك العقارات.
هذا الإسراع في تطبيق هذه الاستراتيجية يأتي انسجاماً مع الرؤية الروسية المستعجلة نحو ما تسميه ’’إعادة الإعمار‘‘ وهي أيضاً محاولةً كسب الدعم الغربي لمساعدتها، لاستباق الأمور وإعطاء الشركات الإيرانية والروسية الأولوية والأفضلية في الاستثمار داخل سوريا، لا سيما أن إيران تعيد تشكيل هوية سوريا من خلال تنفيذ عمليات تغيير ديموغرافي، بعد أن قدم الأسد امتيازات لها للاستثمار في المدن السورية، وتعتمد أساليب مافيوية من أجل تملك الإيرانيين عقارات في عملية بدأت منذ 2012، وإحلال عراقيين وأفغان موالين للمليشيات المقاتلة إلى جانب النظام، ولبنانيين تابعين لمليشيا ’’حزب الله‘‘، مكان السكان الأصليين، لتسعى إلى طرد السنة وتهمشهم وتهيمن بالطائفة الشيعية مكان العوائل السنّية في دمشق ومحيطها وصولاً إلى حمص والحدود اللبنانية، وهذا سيمثل تحولاً تاريخياً في طبيعة سكان تلك المنطقة.
إيران اتخذت من مقدساتها المزعومة في سوريا موطئ قدم حتى تتغلغل وتقضي على الثورة السورية وتهجّر الطائفة السنّية وتحل الشيعية عوضاً عنها، ومع امتداد نفوذها يصبح من الصعوبة إخراجها من الأراضي السورية. حوادث التهجير وإجبار السوريين على النزوح كان ضمن خطة مبرمجة لإحداث تلك التغييرات الديموغرافية في المناطق التي ثارت ضد النظام، ليصبح الأمر أكثر تعقيداً وصعوبة نحو حل سياسي أو أي شكل من أشكال الحلول إن وجدت.
عذراً التعليقات مغلقة