حماقة ورعونة ابن سلمان

بسام الرحال17 أكتوبر 2018آخر تحديث :
حماقة ورعونة ابن سلمان

يبدو غريباً ذلك التناغم الأمريكي التركي في هذه اللحظة بالذات، وكأن هذا يشي بتغيير واضح في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة واعتراف لا يعتريه شك بعدم القدرة على تجاهل الوزن الاستراتيجي والتاريخي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط كونها شاء من شاء وأبى من أبى باتت تمتلك تجربة رائدة في الحقبة الأردوغانية وحققت قفزات نوعية في الإقتصاد التركي وفي معدلات نموه المتسارعة، وفي تنظيم العلاقة والصلاحيات بين مؤسسات الدولة المختلفة وكف يد المؤسسة العسكرية عن ممارسة دور الرقيب والعتيد على الأداء الحكومي والسياسي في البلاد وإن اعتراها الكثير من المشاكل والدعاية المدروسة منطلقة من أن تركيا أمة عظيمة لا يمكن لأحد مهما كان وزنه تجاهل دورها أو تجاوزه في أي تفاهمات أو ترتيبات تتعلق بالمنطقة وتنظيم الخلافات والاتفاقات بين دولها.

وكان لافتاً السرعة في حل المشاكل العالقة ووقف حالة التدهور في العلاقات التركية الأمريكية من قضية القس المتهم بالتجسس إلى رفع الرسوم والضرائب عن المنتجات التركية المصدرة لأمريكا، مما تسبب في تدهور سعر صرف الليرة التركية إلى تفاهم على أدوار كلا الدولتين في سوريا مع إعلان أردوغان عن عملية عسكرية وشيكة في الداخل السوري والتي على الأرجح ستكون في المناطق المحسوبة على النفوذ الأمريكي بتفاهم مشترك.

وتبدو قضية خاشقجي مدخلاً لرغبة الدولتين في كبح جماح الشاب الأرعن الذي يبدو كالحاكم بأمر الله في السعودية والذي يتخبط يمنة ويسرة ويسبب جراحاً وطعنات كيفما اتجه في غياب تام لصاحب الجلالة وكأنه الميت الحي.

إرادة أمريكية هي من سهلت الطريق لمحمد بن سلمان ليتقلد مفاتيح الحكم في السعودية ويعتمر تاج الملك قبل الأوان، ولكن بنكهة استخبارية وصلت إلى قناعة مفادها أن الوقت قد حان لاجراء تغييرات جذرية في هيئة الحكم السعودية وفي بنية وتوجه المجتمع السعودي ومعتقداته الدينية والعشائرية، ونقل البلاد والعباد إلى الليبرالية القسرية ببطء وتحكم عن بعد ومن خلال أحد الأمراء الشباب المنحدر من صلب ظهر الملك العجوز.

وما حصل أن الشاب المتهور قد جمح كثيراً أكبر من القدر الذي خطط له المشغلون وراء المحيط، وبدا كملوك التيه الأوروبي في القرون الوسطى مما يشكل خطراً على مجمل السياسات الغربية في المنطقة والإقليم في الوقت الراهن.

لن تحل قضية الخاشقجي على ما يبدو هذه المرة بشيكات مفتوحة، ولا بتسيير أرتال من الهدايا والأعطيات لترامب وحريمه وخاصة حكمه، سيكون الثمن سياسياً على الأغلب وتحديد حدود صلاحيات ولاية العهد وتكبيلها، هذا مع فرضية أن لا تقود ضغوط النخبة السعودية عشائرية أو عائلية أو سياسية أو رغبات بعض أركان صناعة القرار الأمريكية باجراء تغيير شامل يطيح بمحمد بن سلمان بأحلامه وخياله الجامح، وكل الأمر منوط بتركيا وبأجهزتها القانونية والقضائية ومدى استقلاليتها، ومنوط كذلك بحجم التفاهم التركي الأمريكي في هذه القضية وحدود الثمن الذي ينبغي على ابن سلمان دفعه بدافع إعادة التأهيل أو الاطاحة برأسه.

كأن أحداً ما في مكان ما قد رمى الطعم القاتل لابن سلمان وأقنعه أن بإمكانه أن يفعل ما يريد دون حساب، وقدم له خطة ساذجة وغبية لاغتيال خاشقجي تعف عن تنفيذها العصابات الشوارعية في أي مكان، قد تم الأمر واستطاع أعداؤه إيقاعه بالحفرة غير مأسوف عليه، وترى تركيا نفسها الآن قوية ومتماسكة أمام الاستفزازات السعودية المتكررة لها في أكثر من مكان ومحاولة عرقلة الدور التركي في المنطقة ومنافسته.

لقد أثبتت السياسة التركية أنها كانت حليمة وغير مستعجلة وقدمت قناعة مطلقة للجميع، أنك لا تستطيع أن تبني حديقة فاخرة وعصرية للحيوانات ثم تقمقم شعبك ضمن أسوارها وتكتم أصواتهم وتحدد مصيرهم ومعتقدهم وتجلد بالسوط من يخالفك وأنت الفج والغبي والمتسلط، وقد جاءت الفرصة لتركيا على طبق من ذهب، بعد أن كبا الحصان السعودي في ميدانها وأرضها وعليه أن يدفع ثمن ما اقترفت يداه، ليس على هذه العملية فقط بل على كامل التحرشات والاستفزازات منذ تبوئه مقاليد السلطة التي لا يستحق أن يكون نادلاً في ردهاتها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل