إدلب في عين العاصفة [1/2]

زكي الدروبي28 سبتمبر 2018آخر تحديث :
إدلب في عين العاصفة [1/2]

رغم الإعلان عن الاتفاق التركي الروسي وتثبيت الهدنة في إدلب، إلا أن التصريحات الروسية مازالت تؤكد موقف الروس الثابت برفضها، ورغبتهم في إكمال مسلسل إجرامهم بقصف المدنيين الآمنين في إدلب وقتل عشرات الآلاف منهم وتشريد مليوني مدني على الأقل، كي تعاد المنطقة لتكون تحت هيمنة نظام الأسد.

بالإضافة للتصريحات، فإن تاريخ الروس في الثورة السورية يدفع لعدم الثقة مطلقاً بوعودهم واتفاقاتهم، وهذا ما لمسانه من خلال تعاملهم مع ما يسمى مناطق خفض التصعيد، فقد قصفت روسيا تلك المناطق تحت ذريعة استهداف المتطرفين لكنها استهدفت المدنيين فقتلت النساء والأطفال دون أي استهداف للفصائل “المتطرفة” حسب ادعاءاتها، ثم قامت بتهجير الناس من المنطقة، وقدمت ضمانات لمن لا يريد المغادرة بأنه آمن على نفسه، وأن قوات النظام لن تدخل للمنطقة، ليتم التراجع مرة أخرى عن هذه الضمانات، وتدخل قوات النظام من جيشه ومخابراته وشبيحته إلى تلك المناطق، وليتم التراجع أيضاً عن وعود حماية من بقي من انتقام النظام، لنرى اعتقالات وتصفيات، وآخرها كان اعتقال الشاب عبد المولى الحراكي من مواليد بلدة المليحة الغربية في محافظة درعا وإعادته لأهله جثة هامدة بعد أن تم تعذيبه حتى سلبوا روحه.

تنبع أهمية الاتفاقية الجديدة بشأن إدلب من كونها ليست حدثاً عادياً في مسار الثورة السورية، بل تصدٍ لسياسة النظام خلال سنوات الثورة الماضية، والتي تعتمد على الحل العسكري، فقد أوقفت الاتفاقية الحل العسكري المتبع من النظام وروسيا، ودعت إلى الحل السياسي عبر المفاوضات، وهي بهذا المعنى نكسة لسياسة النظام ونقطة لصالح الثورة. أيضا حافظت الاتفاقية على حياة عشرات الآلاف من البشر الذين كان يتوقع موتهم بسبب إجرام النظام وروسيا، وأبقت على الناس في منازلهم آمنين بعد أن كان هناك شبح تهجير مليوني شخص على الأقل، وهذه نقطة إضافية تحسب لصالح الثورة.

لم تأت الاتفاقية نتيجة لعامل ذاتي في الثورة السورية، إنما أتت بسبب السياسة الخارجية النشطة للأتراك، وبسبب موقف أوروبي أمريكي يناهض الحرب على إدلب ويرفضها، وقد غيرت تلك المواقف من النمط المعروف للسياسة الدولية خلال السنوات الماضية، والتي تركت الشعب السوري يواجه مصيره بوجه آلة البطش والإجرام لنظام الأسد، ثم إيران، وأخيراً روسيا التي اعتمدت أسلوب الأرض المحروقة، وتعمدت استهداف المدنيين ومنشآتهم الحيوية من مدارس ومستشفيات بهدف إجبارهم على الاستسلام، وما حصل في درعا خير مثال على ترك السوريين يواجهون مصيرهم، لا بل التآمر عليهم لصالح النظام أحياناً، فقد طلب الأمريكان كما نعلم جميعاً من الفصائل في درعا والقنيطرة الالتزام باتفاقية خفض التصعيد الموقعة بين الأمريكان والروس، وعدم تقديم أي مساعدة عسكرية للغوطة الشرقية، وأن ذلك يعني انهيار الاتفاقية وعدم قدرتها على حمايتهم، وترك الروس يحرقون الأخضر واليابس في الغوطة دون أي رادع، وما إن انتهى الروس حتى أرسلوا القوات إلى الجنوب، وقالت أمريكا صراحة للفصائل أنها تسحب يدها ولا تستطيع تقديم أي حماية لهم.

لا يزال الوضع في إدلب قلقاً، فالأتراك يضغطون للمحافظة على الوضع كما هو، وتطبيق الاتفاقية التي توصلوا إليها، والروس يطالبون بعودة إدلب إلى هيمنة النظام، وهذا يتطلب من المعنيين بالثورة حركة أكبر، ففرصة التقاط الأنفاس لن تدوم طويلاً، فقد تتغير المواقف الدولية بين لحظة وأخرى، كما خبرنا خلال السنوات الماضية فالدول غير مهتمة بنجاح الثورة السورية بقدر اهتمامها بتحقيق مصالحها، والنظام والروس يحاولون إفشال الاتفاق وخلق ذرائع وحجج لهذا الأمر، وشاهدنا كيف تم إرسال عناصر داعش إلى شرق إدلب في محاولة لاستغلال هذه الفزاعة وخرق الهدنة وإظهار إدلب كمنطقة لتجمع الإرهابيين، ولازال وجود جبهة النصرة ذريعة تستخدم لأجل قتل المدنيين، لهذا يجب العمل على عدة أمور سأتحدث عنها في المقال القادم إن شاء الله.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل