في موقف يوحي بالاقتناع والصرامة يتحدث الطفل محمد من مدينة حلب ويقول:”يجب أن أكون في المدرسة. إنه حقي في التعليم وفي أن تكون لي هوية وبيت ورعاية طبية”.
الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة يجد الطريق مسدودة أمام تحقيق حلمه ليصبح محاميا في قضايا حقوق الإنسان. وينتقد محمد الطريقة التي يتعامل بها مشغله، صاحب الأرض اللبناني، مع الأطفال العاملين لديه. فهم حسب منظمات غير حكومية “أطفال مستعبدون”. 80 بالمائة على الأقل من الأطفال السوريين في منطقة البقاع يعملون في الحقول مقابل حوالي أربعة دولارات لليوم، ولأنهم يدفعون إيجار الخيام التي يعيشون فيها أيضا لمالك الأرض، فهم يعملون في إطار أقرب إلى العبودية من العصر الحديث.
خمس سنوات من السياسات التي انتهجتها الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية تجعل اللاجئين هنا يدفعون ثمن كل شيء: فواتير الماء والكهرباء والإيجار والآن حتى الإقامة نفسها، والنتيجة: فئة اجتماعية مشوهة وموصومة بالعار. نظرة واحدة لعيني الطفل محمد توضح أنه يعي معنى سؤال “هل تعلم أنك طفل مستعبد؟”وبالرغم من صمته، إلا أنه يفهم ذلك، وأخيرا يجيب بالقول “لا أحب عملي. أريد أن أصبح محاميا في المستقبل لأدافع عن الناس ولأقول لأولئك الذين يشغلون الأطفال بأنه ينبغي عليهم أخذهم إلى مراكز المساعدة والمدارس، بدلا من ذلك “.
في نهاية مايو فقط زارت “دوتشه فيله” مزرعة في عكار، وهي بلدة تقع على الحدود السورية اللبنانية وترتبط في نشرات الأخبار باشتباكات مسلحة وعمليات خطف وقتل بوحشية، يرتكبها داعش. “مشغلنا يضربنا، يعاملنا بطريقة سيئة”، يقول محمد.
لكن تشغيل الأطفال هذا يبدو نعمة مقارنة مع ما قد يؤول إليه هؤلاء عندما يصبحون أشخاصا بالغين في لبنان وخصوصا الفتيات منهم. هذه الحقول التي تستغلهم تحضرهم لما هو أسوا وبشكل لا يتصوره أحد وحتى محمد نفسه.
الحياة الضائعة
حسب تقرير صدر مؤخرا عن صندوق الحرية، فإن تشغيل الأطفال والزواج القسري وارتفاع مستوى الدعارة لدى الاطفال والكبار على حد سواء أصبحت كلها ظواهر منتشرة في كل مكان نتيجة سياسة اللجوء الخاطئة المنتهجة في لبنان، والتي تسحق بشكل بطيء 1,8 مليون شخص مثقيلن بالديون ويبحثون على سبل للبقاء على قيد الحياة.
وقد ساهمت قيود إضافية تمارس على اللاجئين السوريين ونفقات جديدة تتعلق بإقامتهم، في الزيادة من محنتهن، حيث أصبح “الجنس من أجل البقاء ” تعبيرا منتشرا في أروقة الأمم المتحدة باعتباره مرتبطا بظاهرة الدعارة القسرية والاختطاف كتحد جديد.
وبالنسبة للتقرير، فإن عبودية الأطفال ليست سوى مؤشر واحد من مؤشرات وباء أكبر، وينتقد معدو التقرير بشكل قوي “المانحين الدوليين” بسبب حساباتهم الخاطئة.
” ليس السؤال هو هل ينبغي أن نسمح للاجئين بالعمل أم لا” تقول لينا كسايفي وهي مشاركة في إعداد التقرير “القضية هي كيف نريد التعامل مع أزمة اللاجئين وتأطيرها – هل هي أزمة إنسانية أم مجرد تهديد أمني. إذا كنا ننظر إليها على أنها أزمة إنسانية، فإننا نحتاج إلى سياسيات حكومية تقوم على أهداف طويلة المدى”.
كسايفي تدعو الى ضرورة وجود تعاون أكبر بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وهي تدعو إلى مبادرات لجمع البيانات حول الانتهاكات ومراقبتها، لكن الوكالات التابعة للأمم المتحدة التي تحدثت إليها DW قللت من شأن التقرير، ربما بسبب التخوف من حدوث صدام مع الحكومة اللبنانية. “على الحكومة اللبنانية أن تكون واعية بتداعيات السياسات التي من شأنها تسهيل انتشار العبودية”، تقول كسايفي، وتضيف “وقد يلفت ذلك انتباه السلطات اللبنانية إذا ما تم إطلاق حملات لهذا الغرض من طرف المجتمع المدني”.
مرغمات على الدعارة
تعتبر العائلات التي لديها ذكور أكثر حظا، حيث إن وضعها هذا قد يبعدها- إلى حد ما – عن مصير العديد من الفتيات: فقد يرغمن على الزواج المبكر، وهو ما يتم أحيانا مع زوج “مزيف” يتمثل غرضه الحقيقي في تشغيل الزوجة الصغيرة في الدعارة قسريا، أو بالنسبة لأكثرهن حظا في الحصول على عمل بسيط مع الاضطرار لممارسة مع مشغليهن “الجنس مقابل البقاء”. وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فإن العديد من النساء والفتيات صغيرات السن قد يضطررن لامتهان الدعارة.
“أغلب النساء العاملات في الدعارة في لبنان سوريات، وقد ارتفعت نسبة هذا العدد مع توافد مئات الآلاف من سوريا بسبب الحرب هناك”، كما تقول سكاي ويلر من منظمة هيومن رايتس ووتش. “لدينا حالات موثقة لنساء تم استغلالهن جنسيا من طرف مشغليهن من ملاك الأراضي أو من رجال آخرين لديهم سلطة عليهن بسبب مشاكل الإقامة التي يواجهنها”.
محمد لن يكون معرضا لهذا السيناريو لكن أخواته الأربع قد يتعرضن لهذا المصير. وكل ما يمكنه القيام به هو العمل على جلب المال لتوفير الطعام والماء والكهرباء “جئنا من سوريا هربا من الحرب، من الصواريخ والطائرات التي كانت تهدد حياتنا…” يقولها بنبرة قريبة إلى الشعور بالندم.
* المصدر: دوتشه فيله
عذراً التعليقات مغلقة