في الوقت الذي يسعى به نظام الأسد وروسيا لبدء هجومهم العسكري على إدلب، تخرج مظاهرات الحرية وتعيد للثورة سيرتها الأولى من جديد، لتبيّن للعالم أن هذه المدينة لن تسقط ولن يحكمها الأسد ويبسط سيطرته عليها، ولن تعود لحكم الاستبداد، وهذا ما رأته بعض الدول التي كانت مجتمعة في مجلس الأمن الدولي بشأن قمة طهران الثلاثية، حيث قال المندوب الفرنسي: مظاهرات إدلب أثبتت أن المدينة لا يوجد بها إرهاب.
إلا أن هذا الأمر لا يغير من نمط مايحمل الأسد وروسيا وطهران من أحقاد على تلك المدينة والتخطيط لاستعادتها بأي وسيلة في ظل التحشيد العسكري على أطراف المحافظة، لا سيما الهجوم الكيماوي الذي تتحدث عنه روسيا وتتهم به الخوذ البيضاء والفصائل بأنهم سيفبركونه لاتهام الأسد بالوقوف وراءه، إلا أنها حيلة جديدة لاستخدام الكيماوي ضد المدنيين، كما تم استخدامه من قبل ولكن دون إيعازات مسبقة، وعلى إثر هذا تستعد الدول الغربية لأي ضربة عسكرية للنظام وقواته إن استخدم الأسلحة الكيمائية في إدلب مجدداً.
وكما يبدو أنه ليس هناك أي اعتراض دولي على قيام الأسد وروسيا بعمل عسكري في إدلب، والتي تعد من أكبر التجمعات البشرية في سوريا اليوم، بعد نزوح آلاف السوريين إليها هرباً من الموت، وتهجير أضعافهم من المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة الأسد إلى الشمال السوري منذ بداية عام 2018، أو نتيجة لعمليات ’’المصالحة‘‘ التي نفذها النظام طوال أربع سنوات ماضية، وكانت الوجهة إدلب ومناطق الشمال المحرر، إنما جوهر الاعتراض هو في استخدام أسلحة كيميائية فقط!.
وهنا نتذكر قول نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس الأمن التي قالت: إذا أرادوا أن يخوضوا الطريق للسيطرة على سوريا فيمكنهم ذلك، ولكنهم لا يمكنهم فعل ذلك عبر استخدام الأسلحة الكيميائية، بما فيه من ’’الاعتداء على شعبهم‘‘، رغم قولها بأنه من يستخدم تلك الأسلحة هي روسيا وإيران والأسد، وهو ما قاله أيضاً وزير الدفاع الأمريكي سابقاً بأنه المعارضة لا تملك السلاح الكيميائي بل الأسد وروسيا.
نظام الأسد دأب بمساعدة القوات الروسية والمليشيات الإيرانية على استخدام الكيماوي بوسائل متعددة، في جميع العمليات العسكرية السابقة، في الغوطة الشرقية وأخواتها، لتشرع روسيا باستخدام النقض ضد أي قرار بشأن استخدام تلك الأسلحة المحرمة.
التهديد الذي يشنه الغرب بمهاجمة نظام الأسد في حال استخدم أسلحة كيميائية على إدلب ليس له أي جدية، فكما استخدم النظام سابقاً أسلحة كيميائية، ولم يتم فعل أي شيء للقضاء على ترسانته، لن يحدث شيء من هذا القبيل أيضأ، والهجمات المحدودة التي شُنّت ضده لم تؤثر عليه قط، بل أصابته بارتعاش فقط، كما أن ربط الأمر باستخدام الأسلحة الكيميائية، هو وسيلة أخرى للقول بأن النظام يمكنه مواصلة المجازر عبر الأسلحة التقليدية، دون محاسبته عن قتل أكثر من 500 ألف سوري بتلك الأسلحة.
الرئيس التركي يحاول بشكل مستمر أن يبعد إدلب عن الهجوم العسكري لعدة أسباب، أهمها: أن الهجوم سيسبب أزمة نزوح غير مسبوقة إلى الأراضي التركية، ومع كل الجهود التي بذلتها تركيا في سوريا، إلا أنها لن تتحمل وحدها تكاليف الهجوم على إدلب، وهذا مايحذر منهه المسؤولون الأتراك في الآونة الأخيرة بأنه إذا وقع الهجوم فإن تركيا ستفتح باب اللجوء إلى أوروبا، وهنا تبرز الأخرى مخاوفها من تفرق ’’المتشددين‘‘، كما تصفهم، في الدول الأوربية ولا تستطيع السيطرة عليهم.
وبينما يستمر أهالي إدلب بمظاهراتهم السلمية التي أعادتنا جميعنا إلى بداية الحراك الثوري، تتابع أمريكا تحذيراتها للأسد بشأن الكيماوي، وتتابع تركيا تحذيراتها من الأزمة الإنسانية التي ستحصل، وتتابع كل من روسيا وإيران طريق السيطرة على إدلب بحجة الإرهاب وإعادتها لحكم الأسد.
مصير إدلب يضع الجميع في مأزق كبير، رغم أن المدنيين هم آخر شيء يمكن أن يفكر به هؤلاء الكبار، لذلك لن تكون معركة إدلب سهلة، وموسكو تدرك ذلك جيداً، واستسلام الفصائل ما يزال حتى اليوم غير ممكناً، فإدلب ليس لها خيار سوى المقاومة فقط، مقاومة الأسد وروسيا والعالم أجمع، الذي يتآمر عليها ويراهن على حياة أهلها وثوارها وكل من تبقى بها ضد حكم الأسد والعصابة الإجرامية.
عذراً التعليقات مغلقة