تتصدر محافظة إدلب -الصغيرة جغرافيا والتي باتت الآن أرض الأحرار كما يطلق عليها ناشطون- عناوين الصحف والوكالات الإعلامية والجلسات التحليلية وجلسات مجلس الأمن وقمم الدول المتحالفة، بالتزامن مع الحديث عن هجوم ضخم يعد له نظام الأسد بمشاركة فعالة من مليشيات إيران التي تقدم الجنود والسلاح والمال للأسد وبمباركة جوية من طائرات العدوان الروسي للهجوم على آخر معاقل المعارضة جغرافياً. والتي تضم اليوم عشرات الآلاف من المقاتلين من مختلف المحافظات السورية وأكثر من مليوني مدني ومقاتل مهجر وصلوا إلى المحافظة الخضراء عقب تهجيرهم من مدنهم وبلداتهم عبر اتفاقيات جرت بين الفصائل والروس الذين كانت لهم الغلبة بعد أن دكت طائراتهم تلك المدن وأضحتها أثراً بعد عين، لتفضي جلسات التفاوض إلى تهجير قسري بحافلات محمية تسلك دربها عبر المحافظات المدمرة وصولاً إلى الشمال السوري من حمص وحلب والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة.
يراهن البعض بأن إدلب ستكون المسمار الأخير في نعش حلف أستانا الثلاثي الذي كان له اليد الكبرى في تنحية جنيف وإلغاء قراراته المؤجلة مسبقاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي التي لم ترى في عزل الأسد خياراً ولا في المعارضة المتشرذمة بديلاً. حيث أن تركيا لن تستطيع هذه المرة مجاراة روسيا التي باتت في عجلة من أمرها للقضاء على آخر معاقل المعارضة والبدء بتناول مكاسب حربها الضارية التي تشنها منذ ثلاث سنوات ونيف في إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار التي رفضت ألمانيا وبعض الدول الأوربية إعطاءها للروس قبل البدء بالعملية السياسية التي من شأنها أن تقضي على حلم الأسد بالاستمرار في حكم البلاد.
لتركيا مخاوفها الخاصة إزاء إدلب التي حصنتها باثني عشر نقطة مراقبة بموجب اتفاق استانا الذي جعل من إدلب المنطقة الرابعة لما يسمى بخفض التصعيد والذي لم يكن له من اسمه نصيب، وتتركز مخاوفها حول سلامة جنودها الذين من الممكن أن يستهدفوا بقصف من قوات الأسد والمليشيات الإيرانية في محاولة منهم لخلط الأوراق في المنطقة كما حصل أكثر من مرة في نقطة المراقبة في قرية العيس بريف حلب الجنوبي التي استهدفت أكثر من مرة من قبل مليشيات إيران المتمركزة في قرية الحاضر القريبة. وتندرج المخاوف الأخرى من محاولات مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ذراع حزب العمال الكردستاني التركي والذي تصنفه أنقرة على رأس قائمة المنظمات الإرهابية لديها، إقناع نظام الأسد بالدخول إلى جانبه في معركته ضد المعارضة في إدلب شريطة أن تكمل المعركة نحو منطقة عفرين التي انتزعت تركيا وفصائل الجيش الحر سيطرتها من المليشيا بعد معارك عنيفة ضمن عملية غصن الزيتون. ناهيك عن مخاوف تركيا في وصول قوات الأسد ومن لفي لفيفها من المليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية ومليشيا حزب الله اللبناني إلى إحدى أبرز وأهم النقاط الحدودية بين سوريا وتركيا الأمر الذي يعتبره محللون أمراً مستحيلا.
يبدو أن تركيا ستقف بشكل أو بآخر ضد أي هجوم يستهدف المحافظة عبر التصريحات التي باتت شبه يومية تؤكد على ضمانهم حفظ المدينة والتي يحذرون من خلالها نظام الأسد وروسيا وإيران من اقتراف أي خطأ يمكن أن يؤدي إلى كارثة لم يشهد العالم مثيلاً لها. حيث صرح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في تغريدة له عبر تويتر أنه “وفي حال تجاهل قتل عشرات الآلاف من الأبرياء من أجل مصالح نظام الأسد فلن نكون شركاء ولن نبقى متفرجين في هكذا لعبة”. ولعل ما يدعم كلام “أردوغان” الأرتال العسكرية الضخمة التي كثفت تركيا إرسالها في اليومين الماضيين على طول الحدود مع إدلب والتي شملت دبابات ومدرعات وقاذفات صواريخ لتحصين وتعزيز قدرات نقاط المراقبة داخل إدلب، إلى جانب زيادة عدد الجنود وتعزيزها بعناصر من القوات الخاصة.
Sorry Comments are closed