ولاء عساف – حرية برس
ليست كل أرملة من الأرامل الكثر في المجتمع السوري قادرة على صنع المعجزات، فمنهن من خضعن لرغبات المجتمع بكل الضعف الذي حاصرهن بعد موت أزواجهن، ومنهن من أعطاها الموت قوة من قلب الضعف، أعطاهن قوة مضاعفة ليواجهن ما لم يواجهه الرجال من عمل وتربية دون معيل.
السيدة فيحاء هي تلك السيدة التي نالت من جور المجتمع الشرقي ما نالت ولم تنبس ببنت شفة.. صمتت ووكلت أمرها لرب لن ينساها، واليوم بعد عدة سنوات من الكفاح هي أم لشابين، تزوجت منذ سنين طوال تحت رغبة والديها واليوم تواجه الكون بمفردها وتعيل أبناءها وتحمل من الأفكار ما لا تحمله الكثيرات. تعمل كادحة ليل نهار لتربية أولادها الذين لم يبق لها غيرهم في الحياة. عانت الكثير ولكن تحملت مقنعة نفسها أن تربية أبنائها تربية ناجحة هو كنزها ومبتغاها.
استشهد زوجها منذ 4 أعوام واستشهد ابنها البكر قبله بشهور أمام أعينها، لم تكن تستطيع أن تلملم جراح استشهاد ابنها حتى فجعها خبر استشهاد زوجها وتلقت الصفعة التالية لتقسم ظهرها، ولكنها لم تستلم كان لديها القليل من المدخرات تاجرت بكل ما استطاعت حيث كانت تخزنه وتبيعه عند غلائه، عملت بتجارة الكمون أيضاً ونجحت بتوفير مال يعينها، رأت في نفسها المرأة التي ليست فقط تعمل مربية وناصحة بل عاملة وكادحة.
وفيما بعد وبعد سنوات قليلة من استشهاد زوجها وهي ترى ثمار حياتها تكبر أمام أعينها راحوا يعملون خفية من خوفها عليهم ولكنها تجاوبت معهم وشجعتهم فيما بعد قائلة أنها تريد أن تبني رجالا.
شاركت في دورات عديدة من تمريض وشرطة نسائية وخياطة وغيرها، عملت في مشغل للخياطة ولكن كانت جميلة المظهر فتعرضت لكثير من الكلام من أخوة زوجها لذا التزمت منزلها فترة باحثة عن عمل آخر.
تقول فيحاء: تخلوا عني أهلي وعائلتي بعد أن رفضت العيش قربهم طالبة منهم استيعاب وجهة نظري اني لا أريد أن أبعدهم عن أعمامهم، عن أصلهم، أريدهم ان يكونوا رجالا على قدر المسؤولية، ومع ذلك لم تسلم من القيود فقد قيدها أحد أخوة زوجها بالخروج والدخول ولكنها ما زالت تحتمل كل ما تتعرض له وتحترمهم كي لا تعلم أولادها قلة احترام أعمامهم حسب قولها، “في إحدى المرات نال ابني صفعة مني رغم أنه بعمر السابعة عشر لأنه قلل من احترام عمه وأنا أريدهم أن يكونوا قادرين على التمييز بين الاحترام والواجب، والا سوف تنال منا ألسنة الناس بقولهم تربيتهم السيئة لأنه ربتهم امرأة”.
سجلت في إحدى دورات الشرطة النسائية وتم قبولها وعملت على نجاحها بكل جد … تراها تلك المرأة التي لا تضعف ولا تخاف حتى أن ضحكاتها لا تفارقها رغم كم الوجع الذي تمضغه مع كل لقمة طعام تتناولها.
خطبت لابنها الأكبر وهي تقوم بواجب الأب والابن.. رفض والد الفتاة عدم وجود رجل أثناء حديثهم لكنها خاطبته قائلة “أنا الأب والأم والأخ.. أنا من ستحفظ كرامة ابنتك اليوم وغداً.. لا أريد تدخلا من أحد رغم أني استطيع أن أحضر لك من تريد”.
اليوم في يد كل من أولادها صنعة ومهنة وكل منهم يكافح في الحياة مؤمنا أنه يجب ان يعمل كي يعيش، أرملة شهيد علمت أبناءها كيف يواجهون الحياة وقفت قبالتهم وقفة رجل وامرأة.. حطمت قاعدة تقول في مجتمعنا أن تربية المرأة وحدها لا تخرج شبان ناضجين، الغلاء لا يرحم أحد، ورواتبهم قليلة ومع ذلك لم تشعرهم يوما بضيق الحال.
تقول “مرضت والدتي وطلبت رؤيتي في المستشفى بعد سنتين من الغياب وذهبت بدافع الفتاة التي علمها دينها بر الوالدين وبقيت أساهرها ثلاثة أيام رغم أنها لم تدخل منزلي منذ وفاة زوجي.. لم اعاتبها لأني أعرف أنها كانت تريد أن أترك أولادي وأعود للعيش معهم بضغط من أخوتي… عندما رأيتها اكتفيت بمراقبة التجاعيد التي أملت وجهها هما وحزنا، أخرجتها من المشفى ولكن رفضت زيارتي في منزلي وتقبلت ذلك بكل ود خاصة أنها لا تريد أن تزعج أخي إن علم إنها زارتني”.
فيحاء سيدة كأغلب نساء مجتمعنا اليوم أرملة ومكافحة ولكن لم تكن ككل امرأة خضعت لكلام الناس بل سعت وناضلت لتكون الأب والأم لأولادها ولتجعل منهم قدوة لغيرهم… لم يضعفها الموت ويجعلها تستسلم فما زال أمامها الكثير لتقدمه.
عذراً التعليقات مغلقة