المظاهرات.. سلاح ناجح وكافٍ في الحالة السورية الراهنة؟

هدى أبو نبوت5 سبتمبر 2018آخر تحديث :
المظاهرات.. سلاح ناجح وكافٍ في الحالة السورية الراهنة؟

في ظل الأخبار القادمة من الداخل عبر إعلام النظام بهجوم وشيك لاستعادة السيطرة على إدلب ومن المجتمع الدولي برسائل متفرقة متخوفة من نتائج أي عمل عسكري على المعقل الأخير لمعارضي الأسد، والتي اجتمع بها كل من رفض البقاء في مناطق تقع تحت سيطرة النظام..
مظاهرات حاشدة خرجت يوم الجمعة في عموم إدلب وريف حلب ملاذ المعارضين الأخير.

صور جميلة تناقلها السوريون ورواد مواقع التواصل الإجتماعي فيما بينهم من باب رفع الهمم، أطفال ونساء وشباب وحتى عجزة ومن مبتوري الأطراف الذين مشوا مسافات طويلة تحت الشمس الحارقة ليرفعوا صوتهم بالرفض القاطع للعودة إلى حكم النظام الذي قتل أهلهم وشردهم ودمر بيوتهم وتركهم لمصير مجهول.

هل لهذه المظاهرات الشعبية أي تأثير يذكر على المجتمع الدولي؟ وروسيا وتركيا وكل اللاعبين السياسيين في الحرب السورية؟ للأسف الإجابة …لا، ولماذا؟

في العام 2011 كانت المظاهرات فعل حقيقي واستثنائي بعد صمت دام عقوداً، وهذا الفعل لم يهز عرش النظام فقط بل كان حدثاً مهماً للدول المعنية بسوريا أيضا، وكانت المظاهرات تزداد وتكبر ككرة الثلج وتتدحرج بشكل عشوائي مما جعل النظام في مواجهة أقوى احتجاجات حقيقية تهدد وجوده.

لم تكن تلك الجماهير الغفيرة تخرج للشوارع طلباً للاطاحة برأس النظام، ولكن كانت تنشد بعض التغيير الذي يعطي مساحة أكبر من الحرية، وسيادة أكبر للقانون، ولكن هذه الطلبات البسيطة بالنسبة لنظام البعث في سوريا والمافيا التي تتحكم بكل شاردة وواردة بالبلد تعني انهياراً كاملاً لا يقبله النظام بأي شكل، ولذالك رفض دعوات الإصلاح التي طالبته بها الدول العربية والغربية في البداية، ولجأ إلى الحل العسكري، ليس لأنه نظام قاتل ومجرم ولا يفقه إلا هذه الأساليب فقط، وإنما لأنه عمل بشكل ممنهج ومدروس على تحويل دفة الأزمة التي يمر بها من شعب يثور وينتفض أمام حكومة فاسدة إلى دولة تحارب مسلحين وتهدد أمن البلاد.

كان يوم الجمعة في سوريا هو صمام الأمان للثورة والتمسك بأهدافها، ناس بسطاء متعلمين وأميين من جميع الفئات العمرية يشاركون ويهتفون ويغنون ويختارون بكل حرية ولأول مرة شعار مظاهراتهم في تجربة كانت الأولى لهم في تذوق طعم الحرية الذي كان يعلم النظام أنه لن يزول من الذاكرة بسهولة لاحقاً، ولكن لو قمنا باستبيان بسيط على أغلب من خرج في مظاهرات إدلب الأخيرة عن “شعار المظاهرات” ربما نصدم بأنهم لا يعرفون أو لا يهتمون أو لا يتذكرون .. لأنهم خرجوا للتعبير عن رأيهم بموضوع خاص جداً ومحدود للغاية، وهو نوع من الشجاعة يحسب لهم، ولكن للأسف لا يمت بصلة لروح الثورة السابقة في قلب معادلات أو تحريك الرأي العام، وكانت بالضبط “تعبير عن الرأي” برفض العودة لسلطة النظام، ولسخرية الأقدار بأن كل العالم والدول والمجتمع الدولي وروسيا وإيران وتركيا والوطن العربي يعلمون بأن هناك فئة من الشعب لا تقبل بهذا النظام بعد كل هذا الدمار والإبادة، إذاً (لم تقدم مظاهرات إدلب أي جديد).

ولكن كيف تم سحب البساط من القوة الحقيقية الفاعلة التي هزت عرش النظام وأجبرت دول العالم على قطع العلاقات الدبلوماسية معه وفرض عقوبات على رموز في النظام؟ وكيف جرى تحويل هذه القوة إلى طرف ثالث، وهو الأضعف في المعادلة؟

عندما خرج الشعب إلى الشوارع كان هناك شعب مظلوم، مقابل قيادة مجرمة، والأول يهدف للتحرر من الظلم وبناء أسس جديدة للوطن الذي كان مستباحاً طوال عقود، والثاني يهدف للبقاء بالسلطة بإستخدام كل وسائل القمع، ولكن عندما تحولت الثورة إلى حرب بين طرفين، وبعد لجوء النظام إلى إيران وروسيا، والمعارضة إلى السعودية وقطر وتركيا، سحبت كل مقومات القوة من الشعب الثائر، وتحول إلى طرف ثالث، ومع استمرار الحرب تحول إلى الطرف الخاسر من نتائج الحرب، بعد ان كان الطرف الرابح في بداية الثورة.

كان الشعب يملك زمام المبادرة بالاحتجاج، ومثال جميل للسلمية والتجمهر وعدم الرضوخ لآلة القمع التي حصدت أكثر من خمسة آلاف روح في الشهور الأولى للثورة فقط، وكان الشعب محتفظاً بخياره السلمي ورفض الإنسياق للسلاح لأن الفئة العظمى كانت تدرك هذا الخطر، ولكن زج الجيش في كل بقعة وشارع وحارة ومدينة، ضيق الخناق أمام الأصوات الرافضة لحمل السلاح، وبعد قصف المدن والبلدات، لم يترك مجال للشعب إلا اللجوء لأبنائه ممن قرروا حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وأطفالهم وعائلاتهم، ولكن هل انتهى الأمر هنا؟ بالطبع لا.

نجح النظام بتحويل دفة الصراع من شعب وحكومة، ثورة ومطالب.. إلى نظام ومعارضة.. دولة وخارجين عليها.. جيش وإرهابيين.

وظهور جبهة النصرة ومن ثم داعش في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وضع الشعب الثائر أمام تحديات جديدة، إما الخضوع لقوانيين دولة الخلافة (داعش) أو الهرب منها، وهذا ماحدث في العام 2014، مما زاد عدد اللاجئين إلى تركيا وأوروبا بشكل واضح، بالإضافة للهاربين من قمع النظام، مما حول الجماهير الشعبية الفاعلة إلى مجموعات مشردة متفرقة في دول مختلفة، وتبعثر تأثيرها بسبب انغماسها بالسعي الشخصي الحثيث لتخطي صعوبات النزوح الداخلي واللجوء الخارجي.

هل اهتم المجتمع الدولي من البداية برغبة الشعب بالحرية؟

المجتمع الدولي كان مهتماً بحل الأزمة السورية، ولكن مع ما يضمن مصالح الدول الكبرى بالمنطقة، وكان انتشار المظاهرات كالنار بالهشيم دليلاً بأنهم يمكن أن يجدوا فئة يتم التعامل معها في مرحلة لاحقة، ومن هنا خرجت مجموعة دول ما يدعى “أصدقاء الشعب السوري”، ولكن السوريين، ولافتقارهم الحد الأدنى من الوعي السياسي بلعبة صراع مصالح ونفوذ الدول، خلطوا بين المصالح والأخلاق.

كان لنا كسوريين تجربة أليمة بعد استخدام الكيماوي في الغوطة عام 2013، ومقتل أكثر من ألفي شخص أغلبهم من الأطفال، وعشرات المجازر قبل ذلك التاريخ وعشرات بعدها والتي لم تنتهي بعد .. ربما يملك المجتمع الدولي من الوثائق والصور والأدلة على تورط النظام السوري بجرائم حرب لا تعد ولا تحصى، والجميع يعرف أن المجتمع الدولي كان صامتاً وأصدقاء الشعب السوري اكتفوا بالتنديد، وأصبح القضاء على التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في سوريا الهمّ رقم واحد بالنسبة لهم، وتحولت مأساة شعب لرقم اثنين، تحت مسمى نازحين ولاجئين يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة تساعدهم على الحياة.

هل تم دفن ملف الشعب الثائر؟

حجم الدمار الهائل ونزوح الملايين أجبر ما بقي من الشعب الثائر الذي يعيش داخل الأراضي السورية على تغيير أولوياته، من إزاحة النظام إلى القبول بالعيش في منطقة آمنة بعيدة عن سيطرته، وهذا تماما ماعبر عنه سكان محافظة إدلب وريف حلب بالمظاهرات الأخيرة، ومع غياب كل مقومات انتصار الثورة بالوضع الراهن أصبحت كل طموحات الثائرين إبقاء الوضع على ماهو عليه دون امتلاك إي خطة بديلة في اللحظة الحاسمة، وخرج الشعب من المعادلة بشكل كامل وأصبح رهينة مصالح وتوافقات دولية و اقليمية تعمل ليل نهار لضمان مصالحها، ولكن اللحظة التي ستقرر روسيا أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب على كامل الأراضي السورية تحت سيادة “الحكومة السورية” سيكون القرار دولي باتفاق جميع الدول، والشعب الذي كان بيده كل الاوراق في العام 2011 وخسر جميع أوراقه عاماً بعد عام، تحول أخيراً لورقة سيتم تسليمها في المكان والزمان الذي تحدده القوى اللاعبة على الأرض السورية.

هل تموت إرادة الشعب؟

كل تجارب التاريخ تقول ان الشعوب تمرض ولا تموت، وأن التغيير قادم لامحال، ولكن المأساة الكبيرة التي حلت بالمجتمع السوري تجبرنا على الرؤية بعين الواقع، سيمر الشعب بعقود من الترنح حتى يقف من جديد ويختار بإرادة حرة الهوية التي تمثله. ويحاسب المجرمين ويقدمهم للعدالة، ولا يمكن لسوريا أرضاً وشعباً ان تتعافى إذا لم تعد الحقوق لأصحابها، وهذا صعب المنال في الظروف الراهنة، ويعتمد على متغيرات إقليمية ودولية، ومن هنا يجب أن يعمل السوريون على بناء أنفسهم من جديد، وخوض معركة الحرية بأسلوب جديد، وإبتكار حلول واقعية للمشاكل الحالية، فالتظاهر لأجل التعبير عن الرأي لم يعد كافياً، ويجب أن يترافق مع عمل يدعم الصوت ويجعل تحقيق المطالب ممكناً ومتاحاً.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل