ضربة “إسرائيلية” لمطار المزة، تفتح الباب أمام صفحة جديدة في الصراع، عنوانها الأبرز “لا مكان لإيران في سوريا”، وسحب التفويض من روسيا بالاستئثار في الشأن السوري.
تعود الضربات الإسرائيلية بعد توقف قبيل معركة الجنوب، ضمن اتفاق إبعاد مليشيات إيران عن حدود الأراضي المحتلة، ما لبثت “إسرائيل” أن اعتبرته غير كاف لضمان أمنها، مطالبة بسحب كل مليشيات إيران من سوريا.
يبدو أن روسيا فشلت بتعهداتها لإسرائيل في إخراج إيران من سوريا، بل على عكس ذلك، تبدو إيران متشبثة بحصتها أكثر من أي وقت مضى، واضعة ثقلها بدفع نظام الأسد إلى إقرار معاهدة دفاع مشترك، تقود الكثير من المؤشرات إلى أنها كانت أكبر مسمار في نعش الأخير.
نجح الكرملين في السنتين الماضيتين بإدارة مصالح متناقضة بين اللاعبين الإقليميين في سوريا، لكن بوتين استعجل قطف ثمار انتصاراته الميدانية بذهابه إلى برلين، مستنجداً بأموال أوروبا لإعادة إعمار ما دمرته طائراته في سوريا، وأصبح واضحاً حجم المأزق الذي تورطت به بلاده في الدفاع عن عصابات مأجورة تدعى نظاماً، في وقت يقرأ الغرب جيداً حاجة بوتين إلى أموالهم لفرض تسوية سياسية لا تشبه أحلام بوتين.
تعود أميركا بقوة إلى المنطقة من بوابة حفظ أمن “إسرائيل”، هذه العودة تبدو واضحة في العراق حيث تضع واشنطن ثقلها لإضعاف هيمنة طهران على سياسة بغداد، وليست بعيدة عن تهديدات ليبرمان بضرب أهداف إيرانية في العراق، وتتضح ملامحها في سوريا أكثر فأكثر مع تحركات المبعوث الأميركي الجديد جيمس جيفري.
توصيات جيفري ومن ضمنها فرض منطقة حظر جوي، وتحذيرات واشنطن المتكررة من مغبة تنفيذ هجوم شامل على إدلب، بالتزامن مع تحريك ترسانتها البحرية، رسائل يمكن أخذها على محمل الجدية إذا ما راقبنا التخبط الروسي الواضح للعيان منذ أسابيع.
تعود الولايات المتحدة لتفرض شروطها بعد إنهاك كل اللاعبين، وإذا كانت رؤية الإدارة الأميركية غير واضحة بعد فيما يخص آفاق التدخل، إلا أنها قادرة على تعطيل أي حل لا يلبي مصالحها ومصالح “إسرائيل”.
يجدر بنا كسوريين اغتنام فرصة خلط الأوراق هذه، واستثمار الوقت بدل الضائع بترتيب صفوفنا وتحديد أولوياتنا المرحلية والاستراتيجية، المسؤوليات كثيرة والمعركة تبدو طويلة وشاقة، لكن ثمة أمل بقدرتنا على مواجهة تلك التحديات بدءاً بنبذ التنظيمات المتطرفة وخلق مرجعية سياسية ملزمة تتبع لها الهيئات التفاوضية والعسكرية والحكومية، والسعي لتشكيل حركة مقاومة وطنية لطرد كل المحتلين، وإيجاد السبل لتوفير المعيشة الكريمة والخدمات التي طالما افتقدها أهلنا في المناطق المحررة، وتقديم نموذج حضاري يشجع السوريين في باقي المناطق على رفع أصواتهم المكتومة.
عذراً التعليقات مغلقة