التحرّك الطّلابي الأخير الّذي حدث في ساحة الأمويين الدمشقية، بشأن قرار إلغاء الدّورة التكميليّة لطلاب الجامعات، والّذي اعتبره الموالين لنظام الأسد بمثابة رغبة بعدم ذهاب الشباب ممن رسب في بعض المواد الجامعية إلى الخدمة الإجبارية في جيش النظام حسب الصفحات الموالية لأجهزة القتل التي تسمّي نفسها “إعلامية” في الداخل السوري، حيث اندفع عدد من الطّلاب والطّالبات لمحاولة تنظيم مظاهرة في ساحة الأمويين للمطالبة بدورة تكميليّة جديدة منذ أيام قليلة، وهذا يجعلنا نفكّر بعمق ماذا فعلت الثّورة السّورية بالوعي الجمعيّ لحقوق الشّعب في النزول إلى الشارع ومطالبة “السّلطات” بتحقيق المطالب؟ ربّما لم يكن يريد هؤلاء الشّباب الالتحاق حقاً بجيش بات لا يحقّق شيئاً سوى الدّفاع عن كرسي القاتل، في حين دمّر عناصره وقِطعه، معظم المدن والبلدان وهجّر مئات الآلاف من أهل البلد!
لقد أنبتت الثّورة بذارها للرفض الشّعبي، وبات أمر القرارات التعسفيّة والاجرام الأمنيّ أمراً ثانويّاً، مهما كانت لغته وترهيبه الاجتماعيّ والنّفسيّ، سوف ينزل الرافض للظلم إلى الشّارع، لأنّ هذا الوعي بعد سنوات العسكرة والدم والصراع بالوكالة دون العودة للشعب، ولّد في النفوس والأفكار، رغبةً بالصراخ مهما كان الأمر، هكذا يتظاهر الناس دون أمر من حزب البعث وأفرع الأمن، إنّهم عادوا للانتماء الأول، للعقيدة الروحية الحالمة بالتّحرّر من التّبعيّة المقيتة، عادوا لصوت الشّارع.
إنّها الثّورة وتأثيراتها وزخمها الإنساني، أبعد ما يكون عن دعايات الموت المجاني من أجل القادة والأيديولوجيات المزيفة، تلك القائمة على أكتاف الشّعب وحقوقه. أزهر الشّارع رغم كل الخسائر التي تعرّضت لها الحاضنة الشعبيّة للثورة السّورية ومناطقها، تجاوزوا الأثمان المزعومة المعوّل عليها من النّظام بهدف نشر التّرويع والخوف من الحريّة، ونزل الشّباب السّوري، أبناء الجامعات ليقولوا للأسد “لا نريد أن نموت فداءً لحاشيتك”.
أعتقد أنّ ذهنيّة العسكر والسّلطة، لديها تخوّف جنونيّ من انتفاض الشّارع، لأن الحريّة تحتاج للرغبة فقط، لن تحمل بندقية ولن تفاوض على عريّها وصدقها وحقّها بالانتماء للجميع، لن تنتظر مفاوضات أستانا وجنيف وفتاوى المجالس “الشرعيّة” للفصائل المعارضة أو الموالية بأحزابها وميليشياتها، كانت بحاجة لأن تنمو بشكل صحيّ في عقول السّوريين، وها هي اليوم تخرج وسط ساحة الأمويين من العاصمة السورية بمجموعة من الطلاب الّذين أجبروا سيارات “الشّرطة العسكريّة” و”الأمن العسكري” وعشرات عناصر أمن النظام للتصدي لهم، ولم تستطع اعتقالهم لأكثر من أيام وكان الردّ أنّهم “سوف يخدمون في جيش النّظام وهناك سوف تتم المحاسبة قريباً” ما هذا؟ إنّ النّظام لازال يفكر في الحساب، ولديه اعتقاد أنّ القبضة الأمنيّة سوف تُسكت الصّدور والنّاس الرّافضة! غداً عندما سوف يجمع ميليشياته الرّديفة ليضمّها إلى “الجيش” سوف يحطّم شوكة الفرعنة السّورية، تلك التي عادة ما يتمتّع بها هؤلاء عندما يحملون السّلاح وبعض السّلطة حسب توريث المجتمع العسكري البعثيّ، وسيرى النّاس حينها أنّ المنظومة الأسديّة لا تترك أجنحةً لأحد، بل وحين تشعر بخطر تحليقه في فلكها ورفض الطّاعة ولو قليلاً، سوف تسحقه وهناك عشرات الأمثلة من قادة الصّف الأول في النّظام وصولاً للمجنّدين في القطعات العسكريّة الّذين قتلهم أمن النظام لأنّهم رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين بداية الثّورة وقبل العسكرة.
إذاً مراجعة شاملة للفكر الّذي تريد الثّورة السّورية ترسيخه في الشّارع، سوف تؤكد لنا أنّ كثيراً من الأخطاء كان يمكن تفاديها فيما لو تم قيادة هذا الحراك إلى طريقه الصّحيحة بعيداً عن بيع الذمم وأمراض التّحالفات وغايات الأحزاب والتيارات الّتي تريد أن تكون هي الحاكمة، كما الآفات الاجتماعيّة والسياسيّة الّتي أنجبها البعث بمنظماته وأحزابه “الوطنية التقدمية” ثم وصلت بسهولة إلى العقول المدبّرة للتسليح والنّضال المشتّت الّذي يعتبر “المدنيّة والقانون” آخر مشاغله الثوريّة في المقلب الآخر.
ثمّة الكثير مما سوف تفعله الثّورة في الباطن الاجتماعي السّوري، مهما طالت مخالب أجهزة التعذيب والتّرهيب، لا يمكن أن تقضي على فكرة الثّورة وما تحرّكه من نشوة الخلاص. كيف إذا كان أوّل من أنعش المظاهرات ولو بشأن أمر لفئة معين من المواطنين، هم الشّباب، وغداً سوف ينتفض الجميع بكلّ مجالات أعمالهم ومطالبهم الحقّة، حتّى تنضج الثّورة الكبرى الّتي تمثل الإنسان السّوري بكلّ همومه وأحلامه ورغباته بالمشاركة بصنع القرار لا الانشغال بالتصفيق وطباعة الصور الكبيرة للأصنام السياسية والدينية والطغاة والجلوس في ظلها بانتظار التّحرّر!
عذراً التعليقات مغلقة