أحمد زكريا – حرية برس
تفجيرات انتحارية وهجمات من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، هي العنوان الأبرز لما شهدته مدينة السويداء وريفها ذات الغالبية الدرزية، الأربعاء 25 تموز/ يوليو الجاري، من تطورات متلاحقة ومفاجئة، لتثير تلك التطورات الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول سبب محاولة دفع السويداء إلى واجهة الأحداث الميدانية في هذا الوقت بالذات.
وتحدثت مصادر محلية عن وقوع خمسة تفجيرات في عدة أماكن داخل مدينة السويداء، بالتزامن مع هجمات مباغتة شنّها تنظيم داعش على قرى ” المتونة، والسويمرة، والشبكي، وطربا” شرقيّ السويداء، وأسفرت تلك الهجمات بحسب مصادر أهلية عن مقتل أكثر من 240 مدني وجرح نحو 250 آخرين في حصيلة غير نهائية.
إدانات دولية للهجوم الإرهابي على السويداء
وأثارت هجمات “داعش” الإرهابية على مدينة السويداء وريفها ردود فعل كلٍ من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية إزاء تلك الهجمات التي أدت لسقوط ضحايا من المدنيين.
وأدان الأمـين العام للأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريس” بشدة الهجمات الإرهابية التي وقعت في مدينة السويداء يوم الأربعاء، وأدت إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، مستنكرا التجاهل المطلق لحياة البشر الذي تظهره جماعة “داعش”، في حين شدد بيان صحفي صادر عن المتحدث باسم الأمم المتحدة “ستيفان دوغريك” على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الهجمات.
كما دانت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، الأربعاء، الهجوم الذي نفذه تنظيم “داعش” على مدينة السويداء وريفها، مؤكدين الجهود المستمرة لمحاربة التنظيم، وقالت “هيذر ناورت” المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: تدين وزارة الخارجية بشدة الهجمات البربرية لداعش التي وقعت، الأربعاء، في محافظة السويداء جنوب غرب سوريا، والتي قتلت العشرات من المدنيين وجرحت العديد من الأشخاص، مضيفةً: نبقى ثابتين في جهودنا لهزيمة “داعش”، ووضع حد للعنف في سوريا من أجل تحقيق مزيد من السلام والاستقرار في هذه المنطقة.
بدوره أدان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في بيان له، الأربعاء، الهجمات الإرهابية على محافظة السويداء، مؤكدًا “مسؤولية قوات النظام تجاه تمكّن تنظيم داعش من تنفيذ هذه العمليات الإجرامية، وذلك بالنظر إلى تمكُّن المهاجمين من قطع مسافات طويلة، وتجاوز حواجز عدة، والدخول إلى المدينة لارتكاب جريمتهم، وكذلك استناداً إلى الدور الأصلي للنظام في إنشاء ودعم هذا التنظيم الإرهابي وتركه يرتكب جرائمه” بحسب البيان.
في حين، لقيت تلك الأحداث ردودّ فعل غاضبة من ناشطين وسياسيين معارضين، محمّلين في الوقت ذاته نظام الأسد مسؤولية زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وشن الهجمات الإرهابية ضد مدينة السويداء وقراها.
الهدف إجبار شباب السويداء على الالتحاق بجيش النظام
ويرى مراقبون أن ما حصل في السويداء هو عملية “مخابراتية” بامتياز هدفها الضغط على أهالي السويداء لإجبار أبنائهم على الالتحاق بصفوف جيش النظام وزجهم على جبهات القتال لصالحه، خاصةً عقب امتناع سكان السويداء عن إرسال أبنائهم للخدمة في جيش النظام بعد فتوى من “رجال الكرامة” بتحريم الدم السوري.
وكانت حركة “رجال الكرامة” في السويداء، أعلنت تبنيها موقف الحياد الإيجابي من التطورات الاخيرة في محافظتي درعا والسويداء، بحسب ما أوردته “شبكة السويداء 24”.
وقالت الشبكة: إنه صدر توضيح من الجناح الإعلامي للحركة، الأربعاء 20-6-2018، أوضح فيه مدير الجناح الإعلامي “مقداد” أن رجال الكرامة يرفضون الانخراط في أي صراعات داخلية بين أبناء الوطن الواحد، مشيراً إلى أن هذا الخيار هو تمسك بثوابت مؤسس الحركة الشيخ “وحيد البلعوس”.
وجاء في التوضيح الذي حصلت “السويداء 24″ على نسخة منه: إن حركة رجال الكرامة تؤكد أنها كانت ولا زالت على موقف الحياد الإيجابي من أي صراعات داخلية بين أبناء الوطن الواحد، وأننا لسنا طرفاً في إراقة الدماء، متمسكين بثوابت قائدنا الشهيد الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس والشعار الذي كان يقوله دائماً (دم السوري على السوري حرام)”.
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة “تغريد الحجلي” وهي وزيرة سابقة للثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية المؤقتة في تصريح خاص لحرية برس: اليوم السويداء بالفعل تنزف، أكثر من 200 شهيد سقطوا جراء التفجيرات الإرهابية للنظام المجرم، وداعش صناعته وصناعة دوائر الإرهاب.
وأضافت: “الجنوب كان الخاصرة الموجعة للنظام، ومن شحنهم من الدواعش في الفترة الاخيرة إلى المناطق الشمالية والشرقية للمحافظة، ليست إلا للإجهاز عليها بعد أن عجز عن اجبار 30 ألف شابٍ تخلفوا عن اللحاق بجيشه القذر، لأنهم رفضوا أن يوجهوا سلاحهم لصدور أهلهم”.
وتابعت:” النظام يريد أن يقايض الشعب ليس في السويداء فقط إنما اتبع هذا الأسلوب في عموم سوريا، إما الرضوخ لإرادته وإرادة من أتى بهم لتدمير بلدنا وإما الدمار وهذا ما حصل للأسف”.
وأشارت “الحجلي” في حديثها إلى إعلام النظام واصفةً إياه ب “الكاذب” الذي يطنطن اليوم بأن جيشه ردّ داعش عن السويداء وقالت: هذا الكلام كذب فالشباب والشابات في السويداء هم من تصدى لداعش، وعلينا ألا ننسى أن الأهالي مجردون من الأسلحة.
وعن الأهداف الرئيسة لتلك الهجمات على مدينة السويداء وريفها قالت “الحجلي”: من الممكن أن تكون تلك الهجمة إما لإخضاع الأهالي من أجل تسليم الشباب للالتحاق بجيش النظام، وهنا أقول خسئ أن يصل لمراده، وإما أن تكون تلك الهجمة من ضمن مخططات تشكل الجنوب السوري بشكل خاص ما بين النظام المجرم ودول الجوار والدول الكبرى، ضمن مخطط شامل للمنطقة.
ولفتت “الحجلي” إلى أن هجوم داعش لم يقتصر فقط على التفجيرات الانتحارية، بل قام بعمليات خطف طالت عددً من المدنيين وخاصة النساء، مشيرةً إلى أنهم أعادوا ما فعلوه مع اليزيدين في العراق”.
وأكدت أن تنظيم “داعش” كما هو معروف وسيلة النظام والمحتلين للانقضاض، فلو أراد الروس أو النظام تحطيمهم لفعلوا ذلك عبر طائرتين، ولكن الآن سيحين دور الروس للتفاوض نيابة عن النظام لتسليم المتخلفين، علمًا أنه قبل عدة أيام تم جمع الأسلحة من المحافظة وتركوا الجميع أعزل.
تهديدات روسيّة لرجال الكرامة
وتزامنت تلك التطورات في “السويداء” مع زيارة قام بها وفد روسي قبل عدة أيام إلى مدينة السويداء واجتمعوا مع “مشايخ العقل”، وتم التطرق لعدد من القضايا ومن ضمنها قضية تخلف شباب السويداء عن الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام، إلا أن مطالب الوفد الروسي لم تلق أي أذان صاغية لدى “مشايخ العقل”، في حين تشير التقديرات إلى وجود نحو 50 ألف شابٍ تقريباً من المتخلفين والرافضين للخدمة في جيش النظام والقتال لصالح قوات النظام.
وفي هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي “جبر الشوفي” لحرية برس: كنا نتوقع ترتيبات لإخضاع السويداء كليّاً للنظام بعد سيطرة النظام والروس على المناطق العصية كالغوطة ودرعا، وذلك لاستجرار أكثر من خمسين ألف شابٍ إلى جيش النظام، والذين كانوا محميين من أهاليهم و”مشايخ الكرامة”، وقد ورد تهديد من الروس بوصفهم “رجال الكرامة” بالإرهابيين في اجتماع من واجهة دينية واجتماعية رفضت هذا التوصيف، ورد رجال الكرامة الذين أعلنوا أنهم على الحياد ولكنهم سيحمون السويداء من أي اعتداء وقالوا : إن وصفتمونا بالإرهابيين نقول لكم أنتم محتلون ولن نسمح لكم باستجرار أي شاب للخدمة مع النظام وسنمنعكم من ذلك.
ولفت “الشوفي” الانتباه، إلى أن الروس كرروا اللقاء والمطالبة بتمكين النظام من تجنيد الممتنعين عن الخدمة، وقبل عدة أيام أعادوا لهجتهم السابقة ثم خرجوا وقالوا سنرد عليكم جواب، مرجحاً أن يكون هذا جوابهم وهم مع النظام الذي نقل المتطرفين من “داعش” لمسافة 10 كم عن السويداء.
وكان ما يقارب من 1000 عنصر من تنظيم “داعش” وصلوا إلى “بادية السويداء” عبر عدة شاحنات بحماية مشددة من قوات النظام، عقب توصل الطرفين إلى اتفاق أفضى بخروج عناصر التنظيم من أحياء جنوبي دمشق “مخيم اليرموك والحجر الأسود” جنوبيّ دمشق، صوبَ بادية السويداء.
وتابع “الشوفي”: في تقديري هم يدفعون بالسويداء لطلب الحماية من النظام والروس، وحتى تنجلي الأمور بشكل أوضح كلنا في حالة ترقب الان تجري تصفيات المناطق الخاضعة، أتوقع ان هذه جولة سيكون بعدها جولات تتطلب الحذر، مشيراً إلى أن النظام سيحاول أن يظهر بالمدافع عن المحافظة.
فاتورة قديمة لدى النظام الحاقد
وفي تعليق منه على ما تشهده السويداء من تطورات أمنية وميدانية، الكاتب والمحلل السياسي “حافظ قرقوط” قال لحرية برس: إن مما لا شك فيه أن السويداء محافظة من المحافظات السورية التي حاول نظام الأسد اغتيالها منذ بدء الثورة السورية عام 2011 وحتى هذه اللحظة، مؤكداً أن السويداء جزء لا يتجزأ من النسيج السوري الذي دفع ثمن الحرية.
ويرى الكاتب “قرقوط” أن ما فعله النظام الأن قد تكون فاتورة قديمة حملها هذا النظام الحاقد الذي يحقد على كل الشرفاء، مشيراً إلى أن محافظة السويداء أبت أن تشارك في صياغة الدم السوري ليأتي هذا النظام ليشتت سوريا ويتاجر بها للروس والإيرانيين، ويبيع جهود ثوار السويداء الذين ساهموا بتحرير هذه البلاد قبل قرنٍ من الزمن.
وأعرب “قرقوط” عن اعتقاده بأن النظام وبسبب حقده على هذه المحافظة ورجالها، كان يخبئ لها ويبيت لها، مشيراً إلى أن طريقة التفجيرات التي طالت السويداء والهجوم المباغت على قراها ما هو إلا طريقة من طرق النظام وداعش والمبنية على أساس “الغدر” وفق تعبيره.
ورأى “قرقوط” أن النظام قد تورط ورطة كبيرة بدخوله لهذه المحافظة وهو الأن أمام مفصل صعب في التاريخ السوري بتحديه لهذه المحافظة، مضيفاً أن هذا كشف للسوريين بأن السويداء هي جزء منهم ومن الثورة السورية ومن الحرية والعدالة، مؤكداً أن أهل السويداء لم يرضوا دائماً بتاريخهم إلا الحرية والعدالة ولذلك كان هذا الانتقام وهذا الدرس أمام الشعب السوري.
وفيما يتعلق بتوقيت تلك الأحداث في هذه الفترة بالذات قال “قرقوط” إن النظام لا يهمه توقيت فالجريمة جريمة بشكل أو بآخر، ولو كان الوقت مناسب له لقام بهذه الجريمة قبل سنة أو سنتين وخاصة بعد اغتيال الشيخ “وحيد البلعوس” وعدد كبير من أبناء السويداء.
وأضاف: أن هذا التوقيت ربما يتناسب مع المصالحات المفبركة والمجهزة سابقاً منذ سنتين في درعا ويليها في القنيطرة لترتيب الملف السوري، معرباً عن خشيته أن يكون هذا الامر جزء من تركيبة عالمية والنظام لا دور له سوى أنه منفذ فقط لتلك الخرائط الجديدة التي قد بدأت تتولد.
وتابع: نخشى أيضاً على أبناء السويداء من أن يكونوا وقوداً إذا طاوعت إيران روسيا بطريقة خبيثة بأنها سحبت ميليشياتها من الأرض السورية فيصبح الخزان البشري لدى النظام فارغاً فقد يعتمد على أبناء السويداء في حرب مقبلة ضد محافظة “إدلب” ويذهب أبناء السويداء إلى تلك الحرب بضغط من الروس على مبدأ “أننا نصد داعش عنكم إذا ذهب أبنائكم ذهبوا إلى جيش النظام”.
وختم “قرقوط” حديثه بالقول: إن كل الأوضاع في محافظة السويداء وفي الجنوب مفتوحة على كافة الاحتمالات وأخشى بأن يكون المخطط أكبر من “آل الأسد” الذين هم عبارة عن أدوات لتمزيق المنطقة، ونخشى أن تذهب سوريا إلى مصافي أخرى تتلائم مع جغرافية الدول التي ترعى تلك التنظيمات التي اغتالت الثورة السورية خلال السبع سنوات الماضية، وهذه التنظيمات ممولة من دول ولم يكن يمكن لنظام الأسد أن يتجرأ و يطلق رصاصة واحدة من أذار 2011 على أي مدني سوري لولا غطاء دّولي واضح وجلي، ولاحظناه من مجلس الأمن الدولي الذي تخاذل وعجز عن ادخال علبة دواء واحدة للشعب السوري خلال سبع سنوات ماضية، لذلك فإن الأحداث ربما مفتوحة على كل الاحتمالات و لكن نخشى أن تكون الاحتمالات الأسوأ القادمة.
عذراً التعليقات مغلقة