تزداد الحرب الكلامية بين إيران والولايات المتحدة حدة وسط تنامي المخاوف من اندلاع حرب حقيقية بين الجانبين. لكن هناك من يرى أن أذرع إيران في المنطقة تشكل رادعا لأي قصف أمريكي محتمل. فكيف تعمل هذه الأذرع الإيرانية؟
يدخل التصعيد الكلامي بين إيران والولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، ظهرت آخر حلقاته على منصة موقع تويتر وبـ “الحروف الكبيرة”. الرئيس الأمريكي وكعادته اختار الرد على تهديدات نظيره الإيراني حسن روحاني القائل “إن الحرب ضد إيران ستكون أم المعارك”، عبر تغريدة جاء فيها بأن طهران تغامر بمواجهة عواقب وخيمة “لم يشهد مثيلها من قبل عبر التاريخ سوى قلة”.
بعد ذلك يدخل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وعلى توتير مشددا بأن الإيرانيين “دأبوا على سماع تهديدات، لكن أكثر تحضرا، على مدى 40 عاما”، مقتبسا تعبير “احترسوا!” الذي استخدمه ترامب بالحروف الكبيرة.
وتراهن واشنطن في الوقت الراهن على مواجهة إيران عبر ورقة الاقتصاد لإضعاف نظام الملالي والذي قال عنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن البلاد “تدار من شيء يشبه المافيا وليس حكومة”. والخطة تكمن حسب التصريحات الرسمية، في شنّ عقوبات متزايدة إضافة إلى إيقاف صادرات النفط الإيرانية مع إجبار شركات عالمية على وقف تعاملها مع إيران عبر التهديد بملاحقتها قانونيا وتجاريا عبر رسومات إضافية إذا هي لم تستجب لدعوات واشنطن.
وهناك من المراقبين من يعتقد أن واشنطن ستنجح في مسعاها في بلبلة النظام بالداخل، خاصة مع تزايد السخط الشعبي داخل إيران بسبب تعثر الاقتصاد واتشار البطالة وارتفاع الأسعار، وهذا أيضا ما يخشاه الزعماء الإيرانيون أنفسهم عبر التركيز في خطاباتهم على “الوحدة” لمواجهة “الشيطان الأكبر”.
مواجهة عسكرية مستبعدة
ويراقب الشارع الإيراني بقلق خشية انفلات الأمور من حرب كلمات إلى مواجهة عسكرية، قد تبدأ بشنّ هجمات على المفاعلات النووية الإيرانية. هذا الرأي يقابله رأي نقيض يستبعد أن يكون لواشنطن نية تذكر في خوض صراع عسكري مباشر بسبب المصاعب التي واجهها الجيش الأمريكي بعد غزوه العراق عام 2003 وأيضا بسبب الأثر على الاقتصاد العالمي إذا تسبب الصراع في ارتفاع أسعار النفط.
عامل ثالث قد يجعل إيران أكثر تحصينا ضد هكذا هجوم ويتجلى في أذرعها العسكرية المنتشرة في عدد من الدول العربية، والتي تستغلها ورقة ضغط ضد الولايات المتحدة.
التغلغل الإيراني في المنطقة
الاتهام الرئيسي الذي توجهه الولايات المتحدة لإيران هو أنها تهدد أمن المنطقة، أمن إسرائيل والدول العربية على حد سواء. وهناك إجماع قوي بين هذه الأطراف الثلاث على أن إيران “العدو الأكبر”.
ولم يعد خافيا على أحد أن التدخل العسكري لإيران في الملف السوري أطال أمد الحرب، وأقحم النزاع في قالب طائفي لن تسلم البلاد من تبعاته في العقود القادمة. كما أن طهران غيّرت من معاناة أهل اليمن عبر دعمها لمجموعة الحوثيين، ليصبح اليمن مسرحا لأسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، وفق شهادة الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك “حزب الله” الذراع السياسية الأبرز لإيران وحركة “حماس” التي يقول معارضوها بأنها الورقة التي تستخدمها طهران لتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، إضافة إلى ميليشيات عسكرية منتشرة في أفغانستان وباكستان والعراق.
الملاحظ أن حركة حماس هي بين الحركات السنية القليلة التي لا تشاطر ملالي إيران انتماءهم الشيعي باعتبارها حركة ذات مرجعية سنية. وفي مقال مطول بدورية لوموند ديبلوماتيك، أوضح المدير الفخري لقسم البحوث في المركز الوطني الفرنسي، بأن ثورة آية الله الخميني منذ قيامها عام 1979 كانت تدرك جيدا ضرورة تقوية الهامش الشيعي وسط المحيط السني العارم.
السر المعلن
هذا التدخل لم تعد الرواية الإيرانية الرسمية ولا حتى رواية “حزب الله” الذي بررّ تدخله في سوريا بحماية المراجع والمنشآت الشيعية قادرة على حجبه، فقد ذهب الرئيس حسن روحاني إلى القول بأن “الدولة التي ساعدت شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن على مواجهة المجموعات الإرهابية هي إيران”، كما أطلق النائب البرلماني الإيراني علي رضا زاكاني تصريحا كان أكثر وضوحا، وذلك غداة سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين قائلا: “انضمام رابع عاصمة عربية، وهي صنعاء، إلى فضاء الثورة الإسلامية، بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق” على حد قوله.
الأذرع الثلاث
ولتحقيق هذه الاستراتيجية تعتمد السياسة الإيرانية على منظومة من ثلاث قوات:
فيلق القدس
من قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني. وترجح تقارير إعلامية متطابقة بأنه تأسس عام 1991، أي عقب الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988). واشتهر برئيسه الجنرال قاسم سليماني الذي يطلق عليه “لقب جنرال الظل”. وهو الخصم اللدود للولايات المتحدة وحلفائها، أما في إيران فيذهب البعض إلى حد اعتباره الشخص الأكثر شعبية في البلاد. وكان وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون قد حذر أن أي مشروع أميركي لإسقاط النظام الإيراني سيكون خطأ لأنه سيؤدي إلى أن “يكون الجنرال سليماني في موقع ممتاز لخلافة خامنئي”.
ومهمة “فيلق القدس” بقيادة سليماني إنجاز العمليات الخارجية للنظام الإيراني. وينظر إليه على أنه الحلقة المركزية في علاقات طهران مع مجموعات مسلحة مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والحوثيين في إيران. ورغم أن ميزانيته تبقى أمرا سريا لا يخضع لمراقبة سلطة البرلمان، إلا أن رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي كشف أن طهران خصصت مبلغ 300 مليون دولار لهذا الفيلق
أولى بصمات سليماني وفيلقه ظهرت بوضوح في سوريا عام 2012 بمعركة القصير، حين أدار الحرب إلى جانب النظام وضد المعارضة مستعينا بحزب الله اللبناني وميليشيات شيعية أخرى، لتصبح هذه المعركة النقطة المفصلية لإذكاء البعد الطائفي في الحرب السورية. الشيء ذاته يسري على لبنان والعراق وأفغانستان، باستثناء اليمن التي لازالت إيران تنفي أي وجود رسمي لها هناك، إذ وبعد انطلاق عاصفة الحزم راجت أنباء عن وجود سليماني هناك، لكن طهران سارعت إلى النفي.
أما الوضع في العراق فهو أكثر حساسية. إذ وبعد انهيار مؤسسات الدولة العسكرية عقب التدخل ألأمريكي، سارعت إيران خلق مليشيات عسكرية من رحم الطائفة الشيعية، ولتكريس جهودها إلى الدفع بالموالين لها إلى سدة الحكم في بغداد في مهمة نجحت فيها تماما.
“حزب الله” اللبناني
منذ نشأته في عام 1982 وهو يتلقى الدعم المالي من طهران. وتقدر تقارير إعلامية ميزانية مخصصة له بنحو 200 مليون دولار سنويا. وتمد إيران الحزب بالتدريب العسكري وبالسلاح. ويعد الحزب النموذج الأبرز للتدخل الإيراني في المنطقة، خاصة وأنه خرج عن جغرافيته الأساسية (لبنان) للدفاع عن المصالح الإيرانية إلى خارج الحدود اللبنانية. ودوره لم يعد مقتصرا على “الممانعة” و”المقاومة” كما روّج من قبل، بقدر ما انتقل بالأحرى إلى الخطوط الأمامية في الصراع السوري واليمني.
قبل ذلك ضمن “حزب الله” تغلغله في مفاصل الدولة اللبنانية، حتى أن دخول وخروج الآلاف من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة لإيران في العراق وغيرها، بات أمرا طبيعيا للكثيرين، بل وإن الرئيس حسن روحاني أكد أن في لبنان “لا قرار دون الرجوع إلى إيران”.
هذه التطورات قابلتها تحركات دولية، تمثلت في وضعه على لائحة الإرهاب، في حين وضعت دول أخرى عدداً من قادته على قائمة المتورطين في أعمال إرهابية وتمويلها.
الاستخبارات الإيرانية (اطلاعات)
جهاز الاستخبارات الإيرانية المعروف بـ”اطلاعات”، له الدور اللوجيستي الأساسي في جمع المعلومات وهو المسؤول عن رسم وتنفيذ برامج العمليات السرية في الداخل والخارج، ويعمل مع الميليشيات والجماعات المسلحة وأبرزها حزب الله اللبناني لتدريب وتجنيد مقاتلين في باكستان وأفغانستان واليمن.
عذراً التعليقات مغلقة