بعد أن منعت إيرانُ النظامَ الأسديَّ المترنّح من السقوط، وبدءِ تدفّق ميليشياتها الطائفية إلى العمق السوري، أضحتْ إيران الشّريك الذي لا يُستغنى عنه في كل الحملات التي شنّها النّظام المجرم على الشعب السوري المطالب بحريته. وبتقيّةٍ سياسيّةٍ باتتْ مسموحة للجميع، بطّنت إيران تدخلها العسكري بحجّة حماية الأماكن والمقامات الشيعية في سورية.
كانت إيران تنتظرُ بفارغ الصّبر مثل هذه الظروف، كي تبدأ فعليّاً باستكمال مشروع الهلال الشّيعي الذي بدأ في العراق، وتأملُ أن يشمل سورية لينتهي في لبنان المتحكّمةِ أصلاً في مفاصلهِ كافة، عبر ذراعها الطّائفي المجرم الشريكِ أيضاً في قتل وتهجير الشعب السوري.
توزّع التّمدّد الإيراني عبر إقامة مواقع عسكرية شملت الرقعةَ الجغرافية َ السّوريةَ، تقدّم من خلالها الدعم لقوات الأسد وتحققُ الحلم، لكنّ إصرارها على التّمركز القويّ في الجنوب السوري، بدا واضحاً وبشراسةٍ من خلال اشتراك ميليشاتها الطائفية مع قوات النظام المدعوم روسياً في الحملة العسكرية الأخيرة الجارية على درعا، بالرغم من التّحذيرات الاسرائيلية والأمريكية لها بالرّدِّ السّريع حالَ المشاركة، لكن ّ إيران تحدّت الجميع، ولم يَحُل الزّي العسكري الذي ارتدته عناصر ميليشياتها من استهدافها من قبل اسرائيل الدّائبة على توجيه ضربات جوية موجعة لشتى مواقعها المنتشرة في سورية على والخامس سنوات الماضية.
فما مردُّ هذا الإصرار الإيرانيِّ على التّموضعِ في الجنوب السوري؟
يدرك الجميع أنه في ظلّ الفوضى التي تعمّ السّاحة السّورية، وتشابك مصالح الأطراف اللّاعبة فيها وتناقضها، تقوم إيران الخبيرة بالصّيد في الماء العكر بالّلعب مع كل الأطراف من أجل تحقيق حلمها. فهي من جهةٍ تتناغمُ مع التحالف الدولي الذي يشنُّ حربه ضد الارهاب في سورية، ومن جهةٍ أخرى تتوافقُ مع إسرائيل في مصلحتها ببقاء بشار الأسد وتثبيته على حكم سورية. ولذلك لا تمانع إسرائيل الطرفَ الإيرانيَّ في دعمه لنظام الأسد عسكريا واقتصادياً.
لكنّ الحسابات الاسرائيلية مختلفة في درعا عن غيرها من المناطق السورية: ذلك أنه صحيحٌ أنّ إسرائيل تُفضّل لحماية حدودها الشمالية نظامَ الأسد المجرّب من أن تتعاملَ مع الفصائل الثورية – الكثيرة والمشتّتة والتي تتهم بشار بعمالتهِ للكيان الصّهيونيّ وربما أدرك الكيان الصهيونيّ أن تلك الفصائلَ مآلها المختلفة والمتخالفة إلى التلاشي والانكسار أمام آلة الحرب الروسية والأسدية والايرانية – إلا أنّ إسرائيل تعتبر الوجود الايرانيَّ في الجنوب السوري تهديداً لأمنها الذي لا تساوم عليه أحداً، والذي ترسّخَ بعد ثورات الربيع العربي ومآلاتها المواتية لأمنها، بعد حرفه عن مساره الوطني الصحيح وانشغالِ بلدان تلك الثورات داخلياً ببعضها، سواء في مصر وليبيا واليمن وسورية، فإسرائيل مرتاحة طالما أن ذلك بعيد عن حدودها.
لكن إيران على خلاف ذلك تسعى تطبيقاً مشروعها الإبقاء على حالة التوتر قائمة من خلال وجودها العسكري في الجنوب السوري.
لقد أدركت اسرائيل أنّ الوجود العسكريَّ الإيرانيَّ في الجنوب السوري المحاددِ لها هو محاولة إيرانيّة لاستنساخ ِحزب الله سوري على غرار حزب الله اللّبناني تُديره من طهران، سيما أنّ الظروف متشابهة بحسبانِ وجود احتلالٍ اسرائيليٍّ للجولان من أجل متابعةِ العزف على اسطوانة المقاومة والممانعة المفضوحة.
ويبدو أنّ نتنياهو تنبّهَ لمغزى الإصرار الإيرانيّ على التّموضع والوجود في الجنوب السوري الأمر الذي حدا به إلى الإلماحِ لذلك وتوجيه رسالة لإيران لدى زيارته الأخيرة لموسكو مفادها أنه من غير المسموح لإيران الوجود في الجنوب السوري حين قال (إسرائيل وروسيا تتطور علاقتهما العسكرية والاقتصادية بشكل إيجابي ).
وعلى إيقاعِ أصوات المدافع في دعاوي ظلّ انشغال البعض بالبعضِ الآخر في الساحة السورية، تتابع إيران في العمق السوري في دمشق مخططها التشييعي مستفيدة من التّغيير الديموغرافي الذي أحدثته إثر إعادة إخضاع كاملِ دمشق لسلطة بشار الأسد، وذلك عبر منح أفراد الميليشيات الطائفية وعائلاتهم الجنسية السورية بالتواطئ مع النظام السوري، والتي قدّرت جهات مختصة أعدادهم بثلاثة ملايين متجنّس تهدف إيران بهم إلى خلق كتلةٍ سكّانيةٍ ضاغطةٍ موالية لها حول دمشق، يكون لها تأثيرٌ كبيرٌ لايمكن تجاهله في المستقبل حتى مع تغيّر النظام.
إضافة إلى عمليات شراء الأراضي في حمص ودمشق بالتزوير والاحتيال، وكذلك المحلات التجارية في قلب دمشق القديمة، سواء بالرضا أو بالعنف ومن ثم تسجيلها بأسماء هؤلاء المجنسين.
إن هذا الأمر لا يعني إسرائيل البتة لأنه بعيدٌ عن حدودها ،أما في الجنوب فتنتصب قارمةٌ كبيرة على الجميع أن ينحني لها مكتوب ٌ عليها:
“أمنُ اسرائيلَ
ممنوعٌ الاقتراب
ستواجهُ العالم”.
عذراً التعليقات مغلقة