كثر الجدل في حيثيات ما حدث في محافظة درعا، حيث حاول كثيرون إلقاء اللائمة بالكامل على فصيل من الفصائل المقاتلة المتواجدة في المنطقة وتحميل قائده المسؤولية كاملة حول ما حدث، وكما حدث قبل ذلك في ريف حمص الشمالي، حيث تم تحميل المسؤولية كاملة على فصيل، وبرأ باقي قادة الفصائل والجيوش أنفسهم من التسليم باعتبارهم ثوار لا يشق لهم غبار، إلا أن خيانة فلان من قادة الفصائل أجبرتهم على قبول شروط المحتل الروسي “حقنا للدماء”.
تعلمت الدرس باكراً منذ 2011، فقد حدث أن طوق الجيش حمص القديمة، وكنا نعد لمظاهرة مسائية، فحاول رئيس أركان إحدى المجموعات الثورية التي كانت تأتمر بأمر الإخوان المسلمين – حماية المدنيين – منعي من الخروج في المظاهرة، مدعياً أن رفضه خروج المظاهرة يأتي من خوفهم علينا، محاولاً تجيير كل العمل الثوري للبندقية، لتكون الآمر الناهي، فرفضت وقلت له مظاهرتي قبل بندقيتك، فالبندقية التي تحملها هدفها حمايتي من غدر عناصر الأمن، وليس الوصاية على المظاهرة، فكان أن أمر العناصر المشاركين معه في المجموعة المقاتلة بالانسحاب من المظاهرة، وفعلاً تم له ما أراد، وأعتقد أن أشقاء روحي وزملاء العمل الثوري أبو أنس طيارة وأبو الجود الحمصي يتمتعان بذاكرة جيدة قد تسعفهما بتذكر ما أتحدث عنه.
في اليوم التالي بدأت معركة حامية الوطيس، بين جيش النظام وبين المجموعات المقاتلة الموجودة في حمص القديمة، وحدث أن أصيب أبو أنس طيارة في المعركة، فهرعت أبحث عنه باكياً بين أزقة حمص القديمة، كيف لا وقد كان وبقية رفاق الثورة أشقاء الروح، فقد جمعتنا أحلام جميلة بسوريا حرة دون استبداد الأسد، وحدث أن قابلت أبو خالد قائد المجموعة الثورية التي أتحدث عنها، فأخبرته أن أبو أنس مصاب، ويجب أن يخرج لخارج حمص القديمة كي يتم علاجه، فقال لي بنبرة الغاضب إننا محاصرون “ويا منموت سوا يا منعيش سوى”. مضى النهار مسرعاً وذهبت للنوم باكراً من تعبي بعد أن توقفت المعارك بعد غروب الشمس، فأيقظتني زوجتي في الثانية فجراً، وأخبرتني أن الثوار ينسحبون وجارنا أبو فلان ذهب مع ابنه، فصرخت بها معاتباً إياها على “توهين الشعور الثوري” كيف لا وأبو خالد “بذات نفسه” أكد لي أنهم سيقاومون للنهاية.
لم أستطع النوم بعدها، واستمريت جالساً في مكاني قلقاً من كلام زوجتي، حتى شقت الشمس طريقها في السماء، واستغربت الهدوء، وتساءلت لماذا لا أسمع أصوات الرصاص؟! فخرجت للشارع بحثاً عن الإجابة، فأكد لي الجيران أن ثوار الحي انسحبوا، وأن الجيش دخل لحمص القديمة للتفتيش، فعدت مسرعاً وأفرغت الكمبيوتر في المنزل من كل ما له علاقة بالثورة وناقلاً ما عليه إلى كروت ذاكرة، وفككت جهاز الكمبيوتر، وأخفيت طابعتي الشخصية التي كنت أطبع بها المناشير، ولممت الأوراق التي تخص الثورة وأحرقتها، ثم خرجت مسرعاً من المنزل، ولملمت بقية الأصدقاء شركاء العمل في التنسيقية، وهربنا مستغلين معرفتنا بأزقة أحياء حمص القديمة الضيقة ومداخلها ومخارجها.
فيما بعد وحين التقيت بأبو خالد عاتبته على خروجه بهذه الطريقة، فقال أنهم حوصروا ولم يعد لديهم ذخيرة بالإضافة لانسحاب بعض المجموعات المقاتلة بعد استشهاد بلال الكن وانهيار معنوياتهم، فاضطر للانسحاب، فرددت متسائلاً لماذا لم تنسق معنا، لدينا مقر التنسيقية وفيه القماش والدهان واللافتات وأجهزة الصوت الخاصة بالمظاهرة و….الخ، كنا أخرجنا الأغراض وأخرجنا شباب التنسيقية؟ ولم يجب سوى بقوله ما حدث قد حدث.
أسوق هذه القصة لأؤكد أن العمل الفصائلي، ومعارك التحرير التي صفقت لها هيئات المعارضة التي نصبت نفسها على رقاب الشعب السوري، لا بل خرجت لتدافع عن الإرهابيين والمتطرفين على شاشات الفضائيات، لم تأتي بخير للثورة السورية، بل تسببت بدمار ودماء كثيرة، وكان واضحاً منذ البداية أن العسكر يحاول استمرار هيمنته على سوريا من خلال السطو على الثورة، فالصراع كان بين شعب يتظاهر مطالباً بالحرية، ويريد الانتهاء من الاستبداد، والدولة العسكرية الأمنية، وبين نظام مستبد اعتمد الحل العسكري الأمني منذ البداية، وهو استمرار لنظام انقلاب العسكر على السياسيين في الثامن من آذار 1963، وبعد أن دخلت الفصائل التي حول دور بندقيتها من الدفاع عن المتظاهرين بموجب الدعم الذي تلقوه من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من حركات وتيارات الإسلام السياسي إلى تحرير المناطق والصدام العسكري مع النظام، فأصبح الشعب السوري بين بندقية النظام وبين بندقية تلك الفصائل التي هيمنت على الثورة.
عذراً التعليقات مغلقة