في بدايات الثورة السورية، كانت فصائل الجيش الحر التي كونت نفسها بعد انشقاقها عن نظام الأسد، غايتها حماية المدنيين من أي هجوم قد يتعرضون له لخروجهم ضد النظام لإسقاطه مع مؤسساته بشكل عام.
لم يكن لدينا حينها من نعتمد عليه ليخلصنا أو يخفف عنّا من وطأة إجرام النظام وقواته في البدايات، وخاصةً حين يقوم باجتياح المناطق وتدميرها وقتل أهلها وارتكاب المجازر بحقهم، فضلاً عن اغتصاب النساء وذبح الأطفال والتنكيل بجثث الشهداء واعتقال أي كائن يظهر أمامهم لمجرد وجوده ضمن المنطقة التي خرجت مناهضة للنظام تهتف بشعارات الحرية والكرامة ضد سفاحي العصر الحديث.
كان الجيش الحر هو أول من وثقنا به، وأول من ساندنا ضد آلة الإجرام التي لم تتوقف حتى يومنا هذا، لا سيما أنه تخلى عنا القريب والبعيد، رغم كل المناشدات التي أطلقها الشعب السوري لإنقاذه من أوسخ نظام حاكم قد عرفته البشرية في القرن الحادي والعشرين.
كما أن مظاهراتنا لجأت في ذاك الوقت أيضاً إلى الاعتراف به ككيان عسكري لمواجهة نظام الأسد، إضافة إلى الاعتراف أيضاً بما كان يسمى حينها المجلس الوطني السوري المعارض، والذي قد جعلنا نادمين منذ تلك اللحظات إلى هذه الساعة على اعترافنا به ليكون واجهة سياسية لنا بعد العسكرية، يطالب بأبسط الحقوق للشعب وهي الحرية والكرامة من نظام الإجرام والاستبداد.
تطور كيان المجلس الوطني شيئاً فشيئاً إلى أن تقسم إلى كيانات اخرى وبدأت الانشقاقات عنه، والخلافات والاتهامات، إلى أن أصبح هناك عشرات الكيانات السياسية التي تحاول التكلم باسم الشعب السوري، ولا غاية لهم سوى اعتلاء المناصب خارج حدود الوطن بعيدين كل البعد عن أرض الواقع، ومنذ ذلك الوقت تلاشت ثقتنا بهم، لا سيما أنهم لا يجدون فعل شيء سوى أمر واحد فقط، وهو القلق والتنديد كحال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
كما أنه أمام صمت المجتمع الدولي وتخاذل الدول العربية وفشل مجلس الأمن بتوجيه الاتهامات لنظام الأسد وتزايد الخطوط الحمراء لدى زعماء الغرب عند أي مجزرة يقوم بها هذا النظام، والشجب والإدانة والقلق، أمام مقتل مئات الآلاف من الشعب السوري، لم يكن لدينا سوى الاعتماد على الكيان العسكري ’’الجيش السوري الحر‘‘ لمواجهة إجرام بشار الأسد حتى اسقاطه مع نظامه.
ربما يعود الخذلان الذي تعرض له الشعب السوري من الجميع إلى أن المجتمع الدولي لا يرانا إلا عشوائيين غير منظمين بكيان دولة لها جوانبها السياسية والعسكرية الموحدة وقادرة على إسقاط النظام والتحكم بزمام الأمور من بعده، إلا أن تعدد الكيانات لا سيما أنه أصبح هناك أكثر من 1000 فصيل على الأراضي السورية يواجهون نظام الأسد، كلٌ على طريقته، ومعتمداً على داعمه، هو ما زاد الضعف لدى المعارضة بكافة أطيافها، والتوجه إلى التحكم بها.
اعتمدت فصائل الجيش الحر على الممولين والداعمين لهم، الأمر الذي اختلف كثيراً عن السابق، فلم يعد لها قدرة على اتخاذ القرار، ولم يعد لها القدرة على متابعة طريق اسقاط النظام والتقدم في المعارك، وفي بعض المناطق لم تستطع سوى أن تفرض سيطرتها وقوتها على المدنيين، مثل نظام الأسد، وكأن الأمر عدوى مرضية تناقلت إليهم طوال الـ40 عام.
الخسارة التي تعرضنا لها في الآونة الأخيرة، كانت من أكبر الخسائر التي مرت على سنوات الثورة السورية السبع، رغم الدعم الذي تلقته الفصائل العسكرية لمواجهة التدخل الروسي والإيراني حلفاء نظام الأسد مع قواته، إلا أن بعضهم لم يفكر سوى بنفسه، وخذلنا قبل أن يخذلنا غيره، عندما كان الأسد يدخل كل منطقة بعد تهجير أهلها للشمال السوري برعاية روسية.
رغم كل الخسارات والخذلان التي تعرض لها الشعب السوري، لكنه مازال مؤمن بثورته، ثورة الحرية والكرامة، التي لم يستطع نظام الأسد وحلفائه والمجتمع الدولي والعامل أجمع أن يهزموها، بينما هزمتها الفصائل وهزمتنا معها أيضاً.
عذراً التعليقات مغلقة