أحمد زكريا – حرية برس
يواجه قاطنو مخيم “الركبان” الواقع على الحدود السورية الأردنية، ظروفاً معيشية وصحية سيئة، في ظل قلة الدعم الإغاثي المقدم لهم وغياب الرعاية الصحية والطبية، يضاف إلى ذلك غلاء الأسعار وخاصة أسعار الأدوية اللازمة للمرضى.
موعد مع الموت
وأجبرت الظروف المأساوية والإنسانية المزرية، عدداً من قاطني المخيم من الشبان، للخروج منه سعياً منهم للبحث عن مصدر رزقٍ يساعدهم وعائلاتهم على تحمل ظروف الحياة الصعبة داخل مخيم “الركبان”، إلا أنهم كانوا صيداً سهلاً لقوات الأسد التي تمكنت من عدد منهم بكمين محكم ما أدى لمقتلهم، فيما تمكن بعضهم من الفرار والعودة للمخيم.
وفي هذا الصدد، قال الناشط المدني ” أبو دحام” لحرية برس: إنه ونتيجة الأوضاع المزرية في مخيم الركبان والجوع الشديد، يهاجر الشباب في هجرة أقرب ما تكون هجرة الموت، فمنذ أربعة أيام هاجر مجموعة من الشبان على 13 دراجة نارية وكل دراجة تحمل شخصين، باتجاه الشمال بغية العمل هناك من أجل إرسال المال إلى أطفالهم، ليعبروا الصحراء على دراجات نارية، وليسوقهم القدر صوب حاجز أو كمين لقوات الأسد، وبدون سابق انذار بَدأ إطلاق النار عليهم، ليعود منهم 3 دراجات فقط والباقي لم يعد.
وأضاف، أنه وبحسب رواية ناجين من هذا الكمين، فإن معظم من سقط في هذا الكمين تم قتله نظراً لكثافة النيران التي أطلقت عليهم، مشيرين إلى أن من بين الناجين نساء وأطفال.
وأكد “أبو دحام” أن الذين قضوا جراء كمين قوات الأسد، كلهم فقراء ومدنيون بسطاء هاجروا المخيم من شدة الجوع وسوء الأحوال المعيشية.
أطعمة فاسدة وحالات تسمم بين النازحين
وكشفت مصادر مطلعة لحرية برس، عن تسجيل عدد من حالات التسمم بين النازحين في المخيم، مرجعة السبب إلى توزيع الأمم المتحدة أغذية فاسدة على قاطني المخيم.
وقال الكاتب والصحفي والمتحدث باسم مجلس عشائر تدمر والبادية “عمر البنية” في لقاء مع حرية برس: إن الأمم المتحدة، وقبل عدة أيام، أدخلت كمية قلية من الغذاء وكانت تحوي تلك المعونات على مادة (الحلاوة) والتي أدى تناولها إلى حدوث حالات تسمم بين الأهالي، ليتبين أن تلك المادة فاسدة أو قريبة من الانتهاء ومتعرضة لسوء تخزين، لافتاً إلى أنه تم مخاطبة الأمم المتحدة عبر “مجلس العشائر” الذي طالبهم بتوضيح الأمر إلا أنه لم يتم الرد.
وأشار، إلى أن الوضع الإنساني صعبٌ جداً، كما أن الوضع الطبي لا يزال معقداً جداً كونه لا توجد أي آلية واضحة للتعامل من قبل النقطة الطبية، في حين أن الحل الوحيد يكمن في أن يكون المخيم مسجل على قوائم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وأن يكون هناك أسلوب عمل واضح.
وشهد المخيم خلال الستة أشهر الماضية، حدوث بعض حالات الوفيات لنساء حوامل مع أطفالهنّ، بحسب “البنية”، والذي لفت الانتباه إلى أن وضع الأطفال لا يزال صعبٌ جدًا بسبب عدم وجود الية تعامل واضحة من قبل الأمم المتحدة.
“الركبان” من أسوء المخيمات
ويشتكي قاطنو المخيم من انعدام الرعاية الطبية وغلاء أسعار الأدوية إن توافرت، فضلاً عن ارتفاع أسعار كثير من المواد الأساسية اللازمة لحياة النازحين اليومية، يضاف إلى ذلك انتشار أمراض الإسهال وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض المزمنة والتهابات الرئة.
وقال الناشط “أبو دحام”: إن مخيم الركبان من أسوء المخيمات، نظراً لانعدام الرعاية الطبية لقاطني المخيم، في حين أن كل النقاط الطبية التي في المخيم هي عبارة عن عيادات خاصة يديرها ممرضون كونه لا يوجد أطباء، ناهيك عن ارتفاع أسعار الدواء والتي تصل لمستويات خيالية بسبب تهريبها من خارج المخيم، مشيراً إلى وجود نقطة طبية داخل الحدود الأردنية تقدم العلاج المجاني، إلا أن دخول المرضى لهذه النقطة صعب في أغلب الأوقات.
وأوضح المصدر ذاته أسعار بعض المواد الأساسية، حيث وصل سعر ربطة الخبز زنة 700 غرام إلى 300 ليرة سورية، مقابل 500 ليرة سعر علبة “مربى المشمش”، في حين يباع لتر الزيت العادي بسعر 750 ليرة ولتر الزيت البلدي بسعر 1800 ليرة سورية، بينما تباع علبة “التونة” الواحد بسعر 250 ليرة سورية، في حين يباع برميل المياه إن توافرت بسعر يتراوح ما بين 300 إلى 600 ليرة سورية للبرميل الواحد.
وشددّ “أبو دحام” أن أهم ما يحتاجه النازحون هو تأمين “الغذاء” ومن ثم “الطبابة” نظراً لانعدام وجود الأطباء المختصين من داخل المخيم.
المنظمات الدّولية غائبة والسبب “مخيم إرهابي”
ومع اتساع رقعة المعاناة يغيب عن المشهد أي دور واضح للمنظمات الاغاثية والطبية والإنسانية، في مدّ يد العون وتقديم ما يلزم للنازحين في مخيم الركبان، بحسب ما أفادت به مصادر من داخل المخيم.
ووصف الناشط “أبو دحام” تلك المنظمات بأنها “مجرد كذبة بات يصدقها البعض”، لافتاً الانتباه إلى حادثة التسمم التي طالت عدداً من النازحين بسبب توزيع الأمم المتحدة لمادة “الحلاوة” الفاسدة التي أدت لحالات مرضية.
وعزا “أبو دحام” سبب الغياب الملحوظ للمنظمات عن مساعدة المخيم، إلى أن تلك المنظمات تنظر إلى مخيم الركبان على أنه “إرهابي” لذا غالبية المنظمات والهيئات تتخوف من الحضور إلى المخيم والاطلاع على أوضاع النازحين.
من جهته، أوضح “عمر البنية” المتحدث باسم مجلس عشائر تدمر والبادية لحرية برس، أن المنظمات الدولية تقدم ذرائع عديدة كإغلاق الحدود وأن التعامل مع المخيم يتم بشكل استثنائي وأن المخيم له وضع خاص، يضاف إلى تلك الذرائع، بحسب زعمهم، صعوبة التواصل مع الأهالي.
واعتبر “البنية” أن تلك الذرائع والحجج لا تعتبر مبرراً لهم، فالمخيم يقع في المنطقة الدولية على الحدود، مضيفاً أن ما يزيد الأمور تعقيداً أن الامم المتحدة تلجأ إلى التعامل مع أطراف عسكرية وشركات تابعة لها، وحتى في اجتماعاتها على الحدود كان يتم استبعاد الناشطين المدنيين، والجلوس مع عناصر عسكرية موجودة على الحدود وهي جيش “أحرار العشائر”.
وأشار، إلى أن الإدارة المدنية في المخيم تعمل على تنظيم الأمور، إلا أن “الأمور تبقى خاضعة لتسلط من هم على الحدود من الأطراف العسكرية والتي تتقاوى باسم الجيش الأردني” على حد قوله.
وأضاف، أنهم كأطراف مدنيون يحاولون دائماً إرسال المذكرات ورفع التقارير للجهات والمنظمات الدولية، لكن ورغم كل ذلك تبقى الاستجابة إزاء تلك الجهود المبذولة لنقل المعاناة من داخل المخيم ونقل معاناة الأطفال، تبقى ضعيفة من قبل تلك المنظمات.
وأشار، إلى أن المساعدات التي قدمت لقاطني المخيم خلال شهر رمضان، اقتصرت على جهود محلية من مساعدات النازحين الموجودين في الخارج، كما قامت “قوات مغاوير الثورة” عبر التنف بتقديم وجبات إفطار، وتم توزيع مادة “حليب الأطفال” عبر مجلس عشائر تدمر والبادية.
ووافق الناشط “بدر العذاب” ما تحدث به “البنية” بخصوص المساعدات وقال: إن الوضع صعب جدا داخل المخيم وهناك نقص كبير بالمواد الغذائية، إلا أن المساعدات التي قدمت للنازحين خلال شهر رمضان المبارك كانت من خلال بادرة الكريمة من قوات “مغاوير الثورة” المتمركزة في قاعدة “التنف” حيث قدمت وجبات الإفطار للأسر القاطنة في المخيم.
ويقطن في مخيم الركبان أكثر من 50 ألف نسمة، يعانون إضافة لتردي الحالة المعيشية، من سوء الأحوال الجوية السائدة في المنطقة، التي غالباً ما تهددهم وتسبب في غرق خيامهم أو اقتلاعها بسبب شدة الرياح.
عذراً التعليقات مغلقة