ولاء عساف – حرية برس
حملت الثورة في سنواتها السبع قصصاً موجعة بكل تفاصيلها، وراح الموت يحصد أرواح شباب بعمر الزهور… فلم نعد نسمع سوى أسماء وإحصائيات، وأرامل في كل مكان تتقاذفهن أمواج المجتمع الشرقي، وممن سطر سطراً جديداً في صفحة الشهداء في شهر شباط من العام 2018 مودعاً عالمنا الشهيد (أحمد علي المصطفى) من مواليد حماة 1983، قرية ” عبلة “، وهو أب لثلاثة أطفال صغار.
كان أحمد كادحاً قبل الثورة يعمل ليحصل على خبزه بعرق جبينه، حيث عمل على حفارات آبار في ليبيا والجزائر والمغرب.. عاش مغترباً لسنين عديدة ليعود عند اندلاع الثوره السورية عاملاً في مجال الإغاثة وتوزيع المساعدات كما عمل في مجال اللقاح الروتيني.
أحمد كان ذلك الرجل المخلص والمحبوب من قبل الجميع، عاش حياته صابراً ومحتسباً في كل أمر، يعمل بطاقة كبيرة وجهد كبير باذلاً كل ما يستطيع في سبيل عمله.. تطوع في الدفاع المدني منذ تأسيسه بتاريخ 1/10/2014 وكان من السباقين دوماً لخدمة المدنيين.
في أحد الأيام نادت المراصد الدفاع المدني مستغيثة بعد قصف الطيران الحربي لإحدى البلدات في ريف حماة.. وكعادته لبى أحمد نداء الواجب ونداء الإنسانية، هو ورفاقه وتوجهوا لمكان القصف على الفور.
وصلوا ليروا منازل سويت بالأرض، كان يسكن فيها أناس آمنون، مدنيون لا ذنب لهم، دمرت بيوتهم بالكامل وصار عاليها أسفلها.
راح أحمد بكل ما في نفسه من قهر ووجع.. من ألم وحقد يبحث مع رفاقه عن ناجين تحت ركام المنازل علّهم يستطيعون إنقاذ روح أو إسعاف مصاب.
مضت الساعات والجثث تخرج واحدة تلو الأخرى… ما من أحياء، كلهم فارقوا الحياة.. بقي رضيع، افتقدوا طفلاً رضيعاً تحت أطنان من الأنقاض.. راح أحمد يتساءل هل من الممكن أن نجده يتنفس؟!
تابعوا البحث وراحت الجرافة تجرف الأنقاض لتلمع في ناظري أحمد يد الرضيع، فانطلق صارخاً وأوقف الجرافة، وقام بسحبه على الفور لكنه كان قد فارق الحياة، إنه موقف مؤلم ومرير.. عائلة كاملة قضت ولم يكتب لأحد منهم النجاة!
كانت لحظات مؤلمة مرت ومشاهد مريرة تمر كل يوم أمام الأعين تحرق القلب وتتعب النظر.. كان هذا الموقف من أكثر المواقف التي زرعت أثراً جارحاً في قلب أحمد وجعله مصراً على التفاني في عمله ساعياً لإنقاذ الأرواح، آخذاً على عاتقه هو وكل بطل من أبطال الدفاع المدني الذين لا يعرفون الخوف ألا يغمض لهم جفن وهناك شهيد بين الأنقاض في مكان ما يستطيعون الوصول اليه، إلى أن ارتقى شهيداً جميلاً بغارة مزدوجة أثناء توجهه لنداء الإنسانية لإنقاذ الأرواح بتاريخ 6/2/2018 تاركاً خلفه سمعة طيبة وذكرى لشخص كان بيننا لا يعرف الضعف ولا الاستسلام.
إن الوجع السوري العميق والموت الذي بات يحصدنا بالعشرات هو ما دفع أحمد ذلك الجندي المجهول من أصحاب القبعات البيضاء وغيره للانخراط في صفوف الدفاع المدني السوري، علهم يسهمون بقدر الامكان في إنقاذ الأبرياء الذين تعمل الطائرات على إبادتهم دون تمييز بين صغير وكبير.. بريء أو مجرم.
لمثل الشهيد أحمد ترفع القبعات… تقبله الله وأسكنه فسيح جناته.
” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”
عذراً التعليقات مغلقة