بسام الحمصي – حمص – حرية برس:
لم تعد غارات النظام وصورايخه وحدها من يقلق أهالي ريف حمص الشمالي المحرر الذي يقع وسط سوريا، فالأوضاع البيئة الصعبة وإهمال المجالس المحلية لدورها في إزالة أكوام النفايات المتراكمة، كل هذه الأسباب أدت الى انتشار مرض اللشمانيا أو حبة حلب كما يطلق عليه محلياً، حيث يعتبر انتشار المستنقعات والبرك الملوثة من العوامل التي ساهمت في انتشار المرض رغم المحاولات التي يبذلها الأطباء في المنطقة لمعالجة المرضى في ظل النقص الكبير في الأدوية والمستلزمات الطبية.
داء اللشمانيا يسبب تشوه الجلد بالاضافة لتقرحات جلدية حادة، وقد يحدث إصابات داخلية أخطر إذا لم يعالج المرض، حيث ينتشر من خلال لسعة ذبابة صغيرة حاملة للمرض عندما تلسع حيوان مصابا باللشمانيا كالقوارض أو الكلاب.
تعريف وتشخيص :
يقول د.”طارق درويش” وهو طبيب في إحدى المشافي الميدانية في ريف حمص الشمالي: “اللشمانيا مرض بيئي مزمن يصيب الإنسان في كافة الأعمار، ويعرف بأسماء متعددة، كحبة حلب وحبة بغداد وحبة الشرق ودمل الشرق وحبة السنة والقرحة المدارية، يسببه (طفيلي اللشمانيا) والعامل الناقل لهذا الطفيلي هو حشرة تسمى (ذبابة الرمل) قطرها ما بين (1.5 – 3 مم)، تتواجد في كل فصول السنة عدا الشتاء وتنشط ليلاً، و تستقر نهارا في الشقوق الداخلية لجدران المنازل وفي جحور الحيوانات كالقوارض والثعالب وفي جذوع الأشجار، وتصيب الأجزاء المكشوفة من الجسم، تبدأ من دخول الطفيلي للجسم بعد اللدغ وتنتهي بظهور علامات المرض، وتتميز بظهور نقاط حمراء كرأس الدبوس في مكان اللدغ”.
وأشار د. “درويش” إلى : “أن أعراض اللشمانيا تظهر من خلال ارتفاع درجة الحرارة وتغير اللون في المنطقة المصابة والطفح الجلدي، مضيفا ” أن المصاب بالنوع الجلدي في درجات متقدمة تظهر عليه تقرحات تؤدي إلى إحداث ندب، فيما يكون النوع الحشوي أخطر في درجاته المتقدمة، حيث يمكن أن يؤدي إلى تضخم أو تليف الكبد وانخفاض كريات الدم البيضاء ومستوى السكر في الدم والإسهال، وفي نهاية المطاف الموت”.
علاج :
يتابع د.”الدرويش” : “أنه خلال الأيام الماضية وصلت إلينا حالات مرضية عدة يشتبه بأنه مرض اللشمانيا، وبعد التشخيص السريري وذلك برؤية (الحطاطة) أو (العقيدة الصغيرة)، بالإضافة لإجراء تحر مباشر بالمجهر، تبين لنا فعلاٌ أن جميع الحالات مصابة بالمرض، واستطعنا علاج حالات كثيرة، حيث سجلت 40 إصابة موثقة بالأسماء و الأعمار في قرية (الغاصبية) وحدها فقط، بالإضافة لحالات متفرقة بالقرى المجاورة”.
و أوضح د. “الدرويش” أن الإصابة بداء اللشمانيا الجلدية غالبا ما تشفى تلقائيا دون أي علاج، ويستغرق شفاء هذه التقرحات مدة سنة إلى سنتين، وأحيانا قد تطول إلى أكثر من ذلك، ولكن عندما تترك هذه التقرحات لتشفى تلقائيا فإنه من المحتوم أن تترك ندبات مشوهة، وبالخصوص في منطقة الوجه، وهذه التشوهات غير مرغوب فيها، خصوصا إذا كان المصاب أنثى، ولتجنب حدوث ذلك يجب أن يبدأ العلاج من بداية الإصابة وبأسرع وقت ممكن، فإذا لم تكن التقرحات شديدة، فإنه يمكن معالجتها بالحرارة، أو تعريضها للأشعة، أو عن طريق حقن مركبات الأنتيموني الخماسية موضعيا في داخل التقرح”، و أردف قائلاٌ : “لكن تواجهنا صعوبة كبيرة في تأمين العلاج النوعي لاحتواء هذه الآفة الجلدية، وبالمبيدات اللازمة للقضاء على سبب انتشار ذبابة المرض”.
قمامة وتلوث:
يقول د.”عبيدة خلف” وهو مختص بالتحاليل المخبرية : “إن من أهم أسباب انتشار مرض اللشمانيا هو انتشار القاذورات المهملة بالشوارع، وعدم نقلها إلى مكبات النفايات ليتم حرقها فيما بعد، بالإضافة الى انتشار البرك والمستنقعات الراكدة والتي تعتبر البيئة المناسبة لذبابة الرمل الناقلة للمرض”.
ويؤكد د.”عبيدة”: “أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، ولابد من نشر الوعي الصحي بين المواطنين لاسيما أن الجميع هنا من سكان الأرياف للتبليغ عن أي اصابه (خاصة الأطفال) ومعالجتها قبل تقدم الإصابة، ويجب العمل على تطهير البيئة التي أدت إلى ظهور هذا المرض، وذلك من خلال مراعاة النظافة العامة والشخصية في المنزل والحي، وصيانة حظائر الحيوانات ومنع انتشار القوارض والبعوض فيها، ومعالجة البرك والمستنقعات والبحيرات الصغيرة بيئياٌ، ومراجعة أقرب مركز صحي عند ظهور آفة جلدية وخصوصاٌ في الوجه و الأطراف”.
توصيات:
يشير د. “عبيدة” إلى أنه: “غالبا ما توجد ذبابة الرمل في الجحور والتشققات الموجودة في جذوع الأشجار والصخور وفي الأماكن الظليلة الرطبة أثناء النهار وتنشط الحشرة في وقت الغروب أو في المساء، وعليه يتطلب أخذ الاحتياطات اللازمة عند الذهاب إلى الأماكن التي تنتشر فيها ذبابة الرمل لتجنب اللدغ بها، ومنها لبس الملابس التي تغطي أجزاء الجسم أو لبس الحذاء الطويل، واستخدام الكريمات الطارد للحشرات، واستخدام ناموسيات واقية أثناء النوم وخاصة للأطفال، تركيب شبك معدني ناعم على النوافذ لمنع دخول الذبابة، ورش المبيدات الحشرية للقضاء حشرة الرمل”.
والجدير بالذكر أنه حتى الآن تم توثيق عشرات الإصابات باللشمانيا في قرى وبلدات ريف حمص الشمالي، وما يخشاه الأطباء هو أن تتوسع رقعة المصابين بالمرض مع تعثر محاولات إيصال العلاج للبلدة بسبب الحصار والقصف المتواصل عليها، فضلا عن عجز الأهالي عن إيجاد حلول عملية لتطهير البيئة التي تنتشر فيها الذبابة الناقلة للمرض.
عذراً التعليقات مغلقة