مع أن جرائم نظام الأسد باتت واضحة حتى لمن تنقصهم قدرة النظرة إلى الماورائيات، إلا أن البعض من السوريين والفلسطينيين المؤيدين لنظام بشار قد قرروا بمحض إرادتهم العمى لأعينهم عن تلك الحقيقة، لتنطلي خدعة “المقاومة” التي يسوقها النظام على العاطفيين من أبناء الشعبين، ما دفعهم إلى تأييد نظام لا يمكن وصفه إلا بأبشع الأوصاف، متناسين أن غباء بعض الأفعال يشبه كثيرا ما يعرف بنظرية الفراشة، التي إذا ما سمحت لجناحيها بالتحرك في زمان ومكان معينين قد تسبب ما لم يكن في الحسبان من خراب.
لا بد أن الأمثلة كثيرة، لكن لمخيم اليرموك صدى خاص، فهو غصة في بال كل من أراد اللعب على وتر التفرقة بين أبناء الشعبين الفلسطيني والسوري، إذ كان أهل اليرموك أول ما ساند ثورة أخوتنا السوريين في العام 2011، فاتحين بذلك أبوابهم للملاحقين منهم، حتى فاق عدد المجتمين بقلعة اليرموك من أبناء القلب الواحد المليون، لكن بعد تصفية النظام لدماء الشرفاء فيه، تقلص العدد إلى ثلاثة آلاف صامد.
نعم، لقد كان المخيم شاهدا على مجازر النظام بكلا “أسديه” حتى أصبح موضوع الثأر منه ملفا أسودا على طاولة النظام، ليبدأ الأمر بتشكيل لجان مشرفة على المخيم، تحد من نشاط أهله، وتراقب تحركاتهم، ثم الانتقال إلى مرحلة الاعتقال والسحل والذبح التي طالت الفلسطينيين والسوريين من أهله، لتظهر الخطة النهائية بمحو المخيم عن بكرة أبيه، بما في ذلك مستشفى فلسطين، وهو المستشفى المتبقي من بين أربعة مستشفيات كانت توفر أقل قدر من العناية لمصابي المخيم.
ومن ناحية أخرى، يشكل مخيم اليرموك شدة أذن -إن صح التعبير- لكل من يحاول نسيان أو تناسي ملف حق العودة، فللمخيم ثقل أكسبه لقب عاصمة الشتات الفلسطيني، إذ قارب عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه قبل الثورة 400 ألف لاجئ، كان كل فرد منهم مثالا حيا للفلسطيني الأصيل الذي عاش الحياة كلما استطاع إليها سبيلا، مقدرا أرض سوريا وأهلها، لكن دون أن تغيب فلسطين يوما من باله، فقد كان المخيم مكبر صوت في وجه النظام السوري الذي كان يحاول التدخل في القضية الفلسطينية وإخماد صوت منظمة التحرير، ما أثار حقد فراشة النظام “الساذجة”.
شهدنا في الأسابيع القليلة الماضية الهجمة الشرسة التي يشنها النظام على مخيم اليرموك، بهدف محو المخيم وإزالته عن المشهد السوري على حد تعبير مؤيدي النظام، ما من شأنه تسريع حركة فراشة صفقة القرن، التي رف جناحاها عند قطع الدعم الأمريكي عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين، في خطوة أولى لإخماد صوتهم المطالب بحقهم في العودة، لتتحرك الفراشة مرة أخرى مقدمة القاعدة الجماهيرية الأكبر للاجئين الفلسطينيين في المهجر قربانا لإتمام الصفقة.
يعد ضرب مخيم اليرموك إخمادا لأحد العوائق التي تقف في وجه صفقة القرن، فتفريق وحدة الصوت الفلسطيني في المهجر وإلهاؤه في البحث عن ملجأ جديد من مصلحة لعبة الإلهاء الكبرى التي تلعب على أرض بلاد الشام، والتي تصب بالمجمل في تمييع القضية، والرضا بالموجود من حلول عبثية.
وهنا، لا يسعني سوى توجيه سؤال واحد لكل من يؤيد النظام السوري من منطلق الإيمان بأنه كيان مقاوم للاحتلال، كيف يبدو الأمر الآن، ونظامكم البطل يتبرع برئة فلسطين بالخارج قربانا لكيان الاحتلال وغيره من آلهة صفقة القرن، ألا تشعرون بالفخر إذ يحقق نظامكم نبوءة سارون إذ قال “لك يوم يا مخيم اليرموك”؟
عذراً التعليقات مغلقة