ربما لم تكن الضربة العسكرية الثلاثية لنظام الأسد متوقعة لدى البعض، وخاصةً بعد وساطاتٍ تركية، ومفاوضات روسية، وعدم رغبة مستشاري الرئيس الأمريكي ومسؤوليه بتوجيه الضربة إلى مواقع قوات الأسد، في ظل توترات دولية وإقليمية في المنطقة.
الولايات المتحدة كانت حازمةً في قرارها، وهذا ما دعا الطرفين الآخرين الفرنسي والبريطاني لتأييد موقفها تجاه نظام الأسد، وتوجيه ضربات عسكرية له، إلا أن هذا الموقف الحازم لدى الأطراف الثلاثة لم يتغير عن ذي قبل، وهنا يمكن القول إنهم أرادوا ضربه فقط لتجاوزه الخط الأحمر لاستخدامه الكيماوي على مدينة دوما، لا ضربة تفقده توازنه وتسقطه رغم هشاشته.
الوقت الذي أعلن به الرئيس الأمريكي توّعده للرد على نظام الأسد إلى حين تم تنفيذ المهمة، كان كافياً لنظام الأسد بالتموضع وسحب القوات والآليات من المواقع والثكنات العسكرية، إضافة إلى إفراغ المطارات الحربية والمدنية، ونقلها جمعيها إلى قاعدة حميميم الروسية، وهنا قد كسب كل من النظام وروسيا المهلة التي قدمتها الولايات المتحدة وخاصة أن البنتاغون أعلن عن إخبار الروس عبر خط منع التصادم من غرفة العمليات الجوية المشتركة عن مسار الطائرات، وهذا لعدم التعرض لمواجهات عسكرية قد تتسبب بنشوب حرب يتجنبها الكثيرون.
وليس غريباً الرغبة التي ظهرت جلياً بين العديد من السوريين بقيام الولايات المتحدة بضرب النظام الذي أذاقهم الويلات طيلة سبعة أعوام، فهذه أصبحت غريزة لدى معظمهم لقيام أي قوة بضرب هذا النظام وإن كانت تقف بجانبه أو حتى قطع العلاقات معه أو توجيه أي إدانة إليه، وهو ما يبين سبب فرحهم عند القيام بقصف وتدمير الأماكن لتشفي ثأرهم المتراكم من آلة الإجرام، وهذا يحصل فقط عندما يتجاوز الأسد خطاً دولياً لدى الغرب بضربه للكيماوي، وإلا كان هناك ضربة في كل مرة يُقتل بها مدنيين في سوريا، فيما أن الأسد قد استخدم الكيماوي أكثر من 200 مرة في سوريا منذ عام 2011، ولكن عندما يتجاوز عدد الشهداء المئات هنا يبدأ الخط الأحمر الدولي بالظهور.
والسؤال هنا لماذا تقصف اسرائيل مواقع المليشيات الإيرانية الحليفة لبشار الأسد؟ رغم أن اسرائيل أيضاً حليف له؟
مخاوف اسرائيل هي ناتجة عن التمدد الإيراني في المنطقة، من إيران إلى سوريا لينتهي التمدد في لبنان، وهذا ما تخشى حدوثه بالفعل وهو سبب عدائها مع النظام، رغم الوعود التي تتلقاها بإفشال التمدد، إلا أن إيران قد بسطت يدها في سوريا، إذاً، الضربة الأمريكية كانت رسالة إلى إيران وروسيا في الوقت ذاته، للحد من فتح المجال للتوسع الإيراني بالأراضي السورية، لا سيما أن النظام قد بدأ بتخطيط جديد لممتلكات الشعب السوري بعد أن هجرهم من بيوتهم من جهة، وإعداد إيران لمشروع التوسع الجديد في السيدة زينب، جنوب دمشق وما حولها من جهة أخرى.
ويبدو هنا أن الضربة العسكرية لم تكن سوى لتحقيق مصالح تلك الدول، ولكنها في ذات الوقت تسببت بإسقاط ورقة الأسد لدى الغرب، ليس بمفهوم أنهم يريدون إطاحته، وإنما أصبحت إعادة تأهليه سياسياً أصعب من ذي قبل، بعد أن كانوا يقولون لا مكان للأسد في سوريا وعليه التنحي، واليوم لا نريد إطاحة النظام وليس هدف لنا، وهذا ما أظهرته تردد الإدارة الأمريكية ومحاولة فريق الأمن القومي كبح جماح ترامب بتوجيه ضربته، لافتاً الأنظار إلى سوريا بعيداً عن المشاكل التي تدور حوله سواء على الصعيد السياسي أو حتى الشخصي.
قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا كان أيضاً لتسليط الأنظار إلى هناك، وتكرار عزمه بانسحاب القوات هو لمحاولة إيجاد قوة تحل محل قواته، التي كان يريد بقائها بعد أن دعا السعودية إلى دفع تكاليف في المقابل، إلا أن السعودية قد عرضت من جديد إرسال قواتها إلى سوريا، بعد أن قدمت العرض بعهد باراك أوباما ولم تتلقى حينها القبول أو الرفض.
جميع هذه التصادمات ليس لأي منها هدف بإسقاط الأسد، ليس لعدم قدرة تلك الدول على إسقاطه وإنما ليس من مصالحهم، ووجود هذا النظام رغم هشاشته هو شيء مفيد لروسيا لضمان مصلحتها، ولكن خيار الرد على النظام إن استخدم الكيماوي من جديد لم ينته.
ربما سنشهد في الأيام القادمة تصادمات بشكل جديد بين حلفاء الأسد وتتحقق المخاوف الإسرائيلية من الهجمات الإيرانية بعد الضربة الثلاثية، ولا سيما أن الانسحاب الأمريكي بات على الأبواب، لتكون إسرائيل تحت طائلة التهديد.
عذراً التعليقات مغلقة