لا يخفى على المتتبع للسياسة الغربية حيال الحرب في سوريا شراكتهم مع روسيا وإيران وتركيا ودول الخليج العربي، ولكلٍ منهم دوره في هذه الحرب ولكل حلفٍ مهمة وأن محور هذه التحالفات هو النظام واتفاق الجميع على بقائه وإعادة هيكلته، وأن كل الضربات العسكرية أو المماحكات السياسية ما هي إلا عمليات تكتيكية تصبّ في الهدف الاستراتيجي المتمثّل بإعادة إنتاج النظام، فالحلف الغربي العربي كان مهمته القضاء على الفصائل الاسلامية ذات الامتداد الجهادي في العراق كونهم الأكثر دراية ومعرفة بخفايا هذه التنظيمات من خلال الاختراقات الأمنية الواسعة للمخابرات العربية فيها، والولايات المتحدة أخذت على عاتقها القضاء على المجموعات المنبثقة عن تنظيم القاعدة، وروسيا وإيران كانت مهمتهما القضاء على فصائل الجيش الحر ومهمة النظام تدمير وتهجير وحصار الحاضنة الشعبية ومعاقبتها على احتضانها للثورة، أما تركيا فكانت مهمتها ضبط حدودها بالاتجاهين.
ومنذ انعقاد جنيف 1 حتى اليوم كل الأحداث والوقائع التي مرّت على الساحة الدولية أو الاقليمية أو الداخلية تصب ضمن هذا الاطار من جنيف 1 ومخرجاته والقرارات الدولية ذات الصلة من 2254 وما تلاه حتى القرار 2401، وما عمليات المصالحة والهدن وعمليات التهجير القسري وإخلاء محيط العاصمة دمشق من أيّ قوى ثورية قد تهدد النظام على مسمع ومرأى العالم وبرعاية الأمم المتحدة وتحت نظر مجلس الأمن وصمته على تلك الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية دون أن يتحرك لوقفها، كل ذلك يدلّ دلالة واضحة على تخاذل المجتمع الدولي تجاه الشعب السوري وتخليه عن مسؤوليته القانونية والأخلاقية.
ولمّا وُضع مجلس الامن على المحك بعد أن طرحت عليه قضية الجاسوس الروسي ومسألة استخدام السلاح الكيماوي في عملية تسميمه، أظهر الازدواجية في معايير الدول الغربية التي سكتت عن عشرات المجازر التي ارتكبت في سورية بالسلاح الكيماوي، ولتفادي الإساءة لسمعة مجلس الأمن والمنظمة الدولية اضطرَّ مجلس الأمن لبحث مسألة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا رغم ثبوت مسؤولية النظام عنها جميعاً.
وجاء بحث مجزرة الكيماوي الأخيرة في الغوطة في وقت حسّاس بالنسبة للغرب الأوروبي وروسيا وهي مسألة تسميم الجاسوس الروسي وما تبعها من حملات طرد الدبلوماسيين من الجانبين. فكان خوف روسيا من طرح الأمريكان تشكيل لجنة تحقيق بهذه المجزرة بأن هذه اللجنة ستثبت مسؤولية النظام وبالتالي مسؤولية روسيا كونها الضامن للنظام في اتفاقية تسليم كامل مخزونه الكيماوي في عام 2013 بالإضافة إلى مسؤوليتها المباشرة كونها هي التي وضعت يدها على الغوطة بموجب المفاوضات بينها وبين الفصائل العسكرية التي كانت مسيطرة عليها.
لذلك كان الرفض الروسي قطعياً لتشكيل آلية للتحقيق بالمجزرة، مع موافقتها على دخول لجنة من منظمة حظر الاسلحة الكيمائية التي تنحصر مهامها بتحديد فيما إذا استخدم السلاح الكيماوي أم لا، دون التطرق أو البحث عمّن هو المسؤول عن استخدامه، وبالفعل تم تمييع الموقف الدولي من موقف مطالب بتحديد المسؤول ومحاسبته إلى موقف ارتضى الحل الوسط ليحافظ على ماء وجه روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فكانت صفقة الحل الوسط تتضمن السماح لوفد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بدخول الغوطة برعاية روسية، وقيام الدول الثلاث بضربات جوية لبعض الأهداف المتفق عليها مسبقاً مع روسيا كإجراء بديل عن تفعيل مجلس الأمن الذي سيضطر للجوء للفصل السابع حكماً بموجب قراره رقم 2118 لعام 2013 ضد النظام بعد ثبوت مسؤوليته عن مجزرة خان شيخون ومجزرة دوما الأخيرة.
وما اللهجة المؤدبة والهادئة التي شهدناها ليلة أمس بين أعضاء مجلس الامن إلا دليل آخر على تخاذل هذا المجلس وانحيازه إلى جانب نظام الأسد وعدم اكثراته بالجرائم التي يرتكبها ضد الشعب السوري وتخليه عن واجبه في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الإنسان.
عذراً التعليقات مغلقة