بأسلحةٍ كيماويةٍ قضوا أم بأسلحةٍ تقليدية، النتيجة في الحالين واحدة، موتٌ بمساحة وطن، بمساحة أحلامٍ كانت ترسم مستقبل وطنٍ وشعب، شعبٌ حلمَ بالحرية فكان الموتُ تفسير الحلم.
أمام هذا الموت وهذه المجازر المختلفة الأنواع والنهايات ،تبرز دوما في هذه المرة بكامل أطفالها في وجه العاصفة الكيماوية، وكان لابدّ للبراءة أن تذوي أمام الحقد الكيماوي المتوحش، ليظلّ سؤالٌ معلّقٌ في الفراغ.. هل جنينا على أحد؟! وما الذي يسمح لنيرونَ الكيماويّ بتكرار حرائقه في كل مرة؟!
لقد تدرّج النظام العاتي في استخدام أدوات العنف منذ فجر الثورة السورية، لوأدها في درعا المهد، بدءاً بالرصاص الحيّ ثم بالمدافع والصواريخ والطائرات والقنابل وانتهاءاً بالسلاح الكيماوي السام، حتى فاقت حالات استخدام هذا النوع من السلاح 140 حالة موثّقة لكل العالم.
وباستعراض حيثيات الحالات كلها، نلاحظ أنّ النظام كان يلجأ لاستخدام السلاح الكيماوي كحلٍّ أخير، حين تستعصي عليه منطقة ثائرة، لا يقدر على الانتصار عليها أو التخفيف من خطرها عليه، والأمثلة مازالت نافرةً في الذاكرة في حمص وحلب وإدلب ودرعا وخان شيخون وأخيراً في دوما. فلماذا الكيماوي في الغوطة الشرقية مجدداً؟
كانت غاية النظام من استخدام الغازات السامة في الغوطة الشرقية في المرة الأولى عام 2013، هي كبح تقدّم الثوار الذين صاروا على بعد 2 كم من ساحة العباسيين وسط العاصمة دمشق، وهذا ما حصل ولو إلى حين.، أما في الضربة الأخيرة لدوما، فالغاية أيضاً تهجيريةً ممنهجةً بحتةً، استكمالاً لمشروع خارجيّ تديره إيرانُ الصفوية.
وحسب اعتقادي؛ ووفقاً لمجريات الأحداث وتطوراتها على مرّ سنين الحرب المدمرة على سورية والشعب السوري، فإنّ جملةً من الأسباب والعوامل جرّأتْ النظام على ارتكاب هذا الكمّ الهائل من الجرائم الكيماوية.
أولها: إجرامية النظام وعدم قناعته المطلقة بوجوب الارتكان إلى حل سياسي للأزمة وفقاً القرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، وإصراره على الحل العسكري كحلّ وحيدٍ للأزمة.
وثانيها: صفة اللاحسمِ التي اتسم بها الصراع المسلح بين النظام وحلفائه من جهة وبين المعارضة المسلحة من جهة ثانية. إن هذا الواقع أدى إلى إطالة أمد الحرب الأمر الذي استنزف النظام وداعميه على كافة الصعد العسكرية والمالية والبشرية،وهذا ما ألجأ النظام وداعميه من خلفه إلى اقتراف أسلوب الموت الجماعي الشامل عبر الأسلحة الكيماوية، لاقتناعه أنه سيكون حاسماً في ترجيح ميزان المعركة لصالحه.
وثالثها: فشل الفصائل الثورية المسلحة في الإسراع في تحقيق مشروع التوحد الملحّ للعمل كجبهة موحدة، تقودها غرفة عمليات واحدة لخوض معركةٍ خاطفةٍ ضد النظام، تكون ذات نتائج مؤثرة وفاعلة على الأرض، تؤدي إما لكسر النظام عسكرياً بإسقاط، أو تجبره على القبول بحلٍّ سياسيّ مشرّف، يحفظ تضحيات الشعب السوري، ويحقق أهداف الثورة.
رابعها: توفير روسيا على الدوام الغطاءَ الدولي والسياسي والقانوني لجرائم النظام وخصوصاً الكيماوية منها. وما استخدام روسيا -كعضو دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي- لحقّ النقض، كلما كان هناك مشروع قرارٍ دولي لإدانة النظام على جرائمه المختلفة، إلا خير دليلٍ على هذا الغطاء الذي يحمي النظام من الإدانة والعقاب.
وخامسها: ضعف ردة فعل المجتمع الدولي عامةً، والولايات المتحدة الأمريكية خاصةً تجاه جرائم النظام المتنوعة والمتكررة وخاصةً الكيماوية، ومراوحتها في دائرة الشجب والندب والتنديد، ورسم خطوط حمراء وهمية. حتى أنه بدا لمناصري الشعب السوري الثائر، أنّ كلمة حيوان التي نعتَ بها السيد ترامب بشارَ الأسد أكثر تأثيراً من صواريخه التائهة، التي استهدف بها مطار الشعيرات السوري كردِّ فعلٍ على استخدام بشار للسلاح الكيماوي في خان شيخون في نيسان أبريل من العام المنصرم.
إن ذلك الهزال في التعامل مع جرائم النظام الكيماوية ضد المدنيين والأطفال على امتداد سنوات الحرب شجع النظام المجرم على تكرار جرائمه التي تحرق شعباً بأكمله، وتهدد الأمن والسلم العالميين.
في ظل هذا النظام تحولت سورية من متحفٍ للحضارة والتاريخ والحياة إلى متحف الدمار والمَوَات وأجدني أتذكر المثل الشعبي القديم القائل: (قالوا لفرعون: مَنْ فَرْعَنَك؟ فقال: لم أجد أحداً يردُّني).
عذراً التعليقات مغلقة