تتشكل هيئة شعبية من مشايخ وأكاديميين ومثقفين ووجهاء قبائل في إدلب تحت اسم “اتحاد المبادرات الشعبية” لوقف الاقتتال وللمصالحة بين الفصيلين العسكريين المتعاركين في إدلب “تحرير الشام” و “تحرير سوريا” ثم تفشل في مهمتها بعد فشل مبادرات عديدة سبقتها كان يعلن عن فشلها فور تشكيلها.
في ظل الأوضاع المزرية في الشمال المحرر بدل أن يكون هناك اتحاد لإدارته وتسيير المفاوضات السياسية دولياً يصبح لمبادرات وقف القتال والمصالحات الفاشلة اتحاد.
الفشل ليس مستغرباً، لأن تشكيل هيئة للمصالحة هو بحد ذاته خطأ جسيم يراد له أن يشرعن خطأ آخر هو تقاسم النفوذ على المناطق المحررة في إدلب، فإصلاح الخطأ الذي ارتكب بعد تحرير إدلب من قبل فصائل جيش الفتح لا تكون بقوننته وإعطائه شرعية الأمر الواقع وإنما بإنهائه.
واقع قادة فصائل جيش الفتح بفرض أنفسهم كحكام جدد على المحرر بعد إخراج حكومة النظام السابق، أفرز فشلاً إدارياً وعسكرياً على كل الأصعدة ثم تحول لتنافس على السلطة أدى لتحارب عسكري شمل بقايا المنطقة المحررة في إدلب وشمالي حلب.
لا بد من التذكير بأن السماح بتشكيل الفصائل العسكرية السورية بداية كان للدفاع عن الثورة والأهالي من تغول أجهزة السلطة الأسدية ضد الحراك الثوري بعد 2011، ولم يرد في بال أحد ما وقتها أنها ستأخذ محل أجهزة النظام وتتغول في السيطرة على جميع المدن والبلدات المحررة وتفرض على الأهالي إداراتها المختارة من قبل قيادات منفصلة كلياً عن المجتمعات المحلية، وتتدخل في طريقة عيشهم، وتسلب جميع الممتلكات العامة كغنائم وتجعلها لصالح الفصيل، ثم تتعارك فيما بينها على السيطرة على البلدات والملكيات وكأن هناك من يسلبها حقاً مشرعناً بقوة السلاح، مما اضطرهم للدفاع عن نفوذهم باستخدام السلاح الثقيل في الحراب الفصائلي والذي دفع ثمنه الأهالي من قوتهم لعشرات السنوات، محولين البلدات المحررة لمناطق احتراب والأهالي لدروع بشرية، ومفرغين الجبهات مع الجيش الأسدي، مما أجبرهم للإستعانة بقوات الحليف التركي لتوزيع نقاط قواته على كامل حدود ادلب وشمال حلب بحجة “قوات مراقبة” بينما هي في واقع الأمر أصبحت “نقاط تقسيم ونفوذ”.
لم يحصل الأهالي في المناطق المحررة جميعها على لحظات سلام برغم الخلاص من سيطرة نظام الأسد عليها بسبب فوضى تسلط الفصائل، وتبادل تنازع سيطراتها، إضافة لشن الطيران الروسي والأسدي غارات شبه دائمة مما يحول الحياة الى شبه مستحيلة، فالحياة في مثل هذه الظروف الصعبة والمتغيرة تدفع لفقدان الأمل ونسيان أغلب الاحتياجات البشرية ولا يبقى إلا الاحباط واليأس من القادم المجهول.
ثوار سوريا الذين أرادوا الاطاحة بنظام عسكري استبدادي لم يكن بهدف تدمير بنى الدولة وأجهزتها وإحداث الفوضى والاضطراب وإنما فصل النظام عن المؤسسات التي كانت انعكاساً لفساده، ولذلك يجلس من بقي حياً من ثوار إدلب على مقاعد المتفرجين يراقب الأحداث اليومية في بلده والتي تشبه واقع الغوطة بالأمس وما أدت اليه من تهجير وتسليم بلداتهم مع أسلحتها الى الأسد، ويدرك أن دولاً ومؤسسات دولية تحاول التلاعب بالثوار وإنهاكهم وتفكيك صفوفهم بعد أن عجزوا سابقاً، حين يصبح الصراع الفصائلي بدون مؤشرات تلوح على نهاية وشيكة لهذا النزاع الدامي والمكلف، ويتصاعد اليأس على كلا جانبي الحرب والعجز عن حسم المعركة لصالح أحد منهم تماماً كما في حصل في بلدات الغوطة سابقاً، فلا إحصائيات لأعداد القتلى من الجانبين المتحاربين تحرير سوريا وتحرير الشام، والإعلام الثوري يمتنع حتى عن ذكر أسمائهم، ويتحول فشل الهدن مع العدو الطبيعي إلى فشلها مع بعضها البعض، بينما غرف العمليات المكان الوحيد الذي كان يلم شملهم يصبح من بقايا أخبار الماضي، والمعارك الخلبية والتي كان يحركها الاعلام ومنصات التواصل وانكشف للحاضنة زيفها توقفت تماماً.
من حق الحالمين الأمل بأن تتشكل هيئات شعبية بدل أن تعمل على المصالحات الفصائلية أن تشتغل بالتفكير في حلول للواقع المأزوم، والدعوة لجيش وطني شعبي بقيادة عسكرية موحدة كتائبه ذات أرقام وليست بأسماء يخضع كليا لمجلس منتخب ومن غير المسموح له بالتدخل في الحالة السياسية، تختفي منه جميع الحزبيات والطوائف والداعمين لأجل مستقبل حر لأبنائهم.
عذراً التعليقات مغلقة