في سوريا تُصبح الأمومة همّاً يسحب آخر خيوط الحياة من قلب هذه الأم الذي عاث فيه الخوف شحوباً .. خوف من اعتقال، قتل، تعذيب، وحتى في أفضل الأحوال يكون الخوف من المستقبل الذي ضاع!
في سوريا تقدّم أمهاتنا أرواح أبنائهن قرباناً للثورة والكرامة التي وعد شعبنا الثائر بنيلها. يباركن شهادة أبنائهن ويتجرعن لوعة الفقد حدّ السُكر، لكن دونما شكوى ..
يعزين أنفسهن بأن الموت رحمة للأحياء في ظل هذه الحرب المجنونة، ولكن المصاب لم ينته عند ذلك، فما زالت أم المعتقل تعيش في زنزانة أفكارها، جدرانها أفكار مرعبة عن كيفية تعذيب ابنها، وفيها نافذة صغيرة يخترق نورها ظلام السجن، تُبشّر برحمة لقلبها وجسد ابنها ..!
وحتى السيناريو المشرق الذي تُحسد عليه أم اللاجئ، يحمل في تفاصيله كثيراً من الحسرة. فتلك الأم التي راقبت حتى طريقة تنفس ابنها في طفولته تعيش الأمومة اليوم بصور لا تمكنها سوى من ملاحظة تغيّر ملامح ابنها الذي أُكره على مغادرة البلاد.
ومع ذلك كله لم تكن الأم السورية ضعيفة لنُطلق عليها لقب “ضحية”، بل كانت مقاتلة بكل ما استطاعت إليه سبيلاً. كانت الملاذ الآمن الذي يُخبئ المتظاهرين عن بطش قوات النظام، وكانت في بعض الأحيان تتحدى إرهاب النظام وحواجزه الطيارة لتسحب “من بين عيونه” المعتقلين تعسفياً.
تعلمنا مذ كنا صغاراً أن الأم مدرسة، وأن الجنة تحت أقدامها، والكثير من عبارات التقدير لها. لكن الأم السورية كانت أضخم بكثير من ذلك. لقد كانت وما زالت الكيان المقدس الذي نتلف جميعناً حوله كحجاج نرنو إلى عطفها، ودفء قلبها. ونحاول بأقصى طاقتنا إزالة ما تركته الرعب على وجهها من شحوب وحزن.
واليوم في عيدها الذي لم تكن أم سورية تتوقع أن تشهده بكل هذا الحزن، ليس هنالك الكثير ليُقال سوى أن “أجمل الأمهات التي عينها لا تنام، تظل تراقب نجماً يحوم على جثة الظلام”، وفي قلبها تتراءى صور لأبنائها عندما كان الموت يخجل من سرقة بريق الفرح من عيونها.
للأم السورية التي يخجل الصبر من صبرها، طوبى لك أماه، وطوبى لوجهك الجميل الذي لا يستطيع حزن تشويه ملامحه، وطوبى لعينيك الحالمتين بغد أجمل وبلد معافى.
وطوبى للثورة التي كنت أماً لها ..
عذراً التعليقات مغلقة