توهم مندوب الولي الفقيه علي خامنئي في لبنان حسن نصر الله رئيس «حزب الله» أن التدخل في سوريا ومشاركة النظام السوري والقوات المتعددة الجنسية من إيران وروسيا وميليشيات طائفية عراقية في حربهم على الشعب السوري، ستكون نزهة صيد لا أكثر، وكان نصر الله دائمًا يبرر تدخله في سوريا بمنع دخول «القاعدة» والتكفيريين إلى لبنان، لكن ما حصل هو العكس تماما.. لقد أدى دخول الحزب للقتال في سوريا، إلى دخول التكفيريين إلى لبنان بأعداد كثيرة.
ومع مرور الوقت وصمود الشعب السوري بدأ الموقف يتضح لحسن نصر الله بأن حزبه سقط في المستنقع السوري، فمنذ عام 2013 عندما تدخل الحزب في سوريا، وجثث مقاتلي الحزب تشيع في ضواحي بيروت الجنوبية، بمن في ذلك كثير من كبار القادة مثل أيمن طحيني، وهو قائد بارز في «حزب الله» اللبناني الذي قاد «كتيبة أبو الفضل العباس». وبعد عدة أسابيع قتل حسام علي نصر، أحد قادة «حزب الله» في سوريا، والقائمة تطول في ذكر أسماء قيادات «حزب الله» التي قتلت في سوريا.
مصطفى بدر الدين آخر هؤلاء القادة وأبرزهم، الذي قتل في انفجار قرب مطار دمشق الدولي، ويمثل مقتله، وهو شقيق زوجة عماد مغنية القائد العسكري لـ«حزب الله» الذي اغتيل في دمشق عام 2008، أكبر خسارة تلحق بالحزب وإيران في سوريا، رغم التدخل العسكري الروسي دعمًا للأسد وحلفائه.
لقد أصبح وضع «حزب الله» بين فكي كماشة في سوريا؛ فهو من ناحية تحت إمرة الولي الفقيه في إيران التي لا يستطيع الخروج عليها، ومن ناحية أخرى وجب عليه أن يبحث عن مبررات لأتباعه في لبنان لإقناعهم بجدوى استمرار تدخله في سوريا بعد كل هذه الخسائر.
هل يعي هذه الدروس حسن نصر الله ويعرف أن تدخله في سوريا كان خطأ استراتيجيا لحزبه؟ حيث إن تدخله هذا كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن وجهه الإرهابي، وتم تصنيفه من قبل كثير من الدول على أنه كذلك. من ناحية أخرى، أول من تأثر بهذا التدخل ليس الشعب السوري فحسب؛ إنما هذا التدخل كانت له آثاره المتعددة على لبنان الذي إلى يومنا هذا لم يستقر فيه الوضع السياسي، وبقي دون رئيس، بجانب تأجيج الوضع السياسي والعسكري في لبنان. واستمرار الصراع داخل سوريا يعمل على تدمير الدولة اللبنانية تمامًا، وتآكل ما تبقى من مؤسساتها الرسمية، لا سيما مؤسسة الجيش التي بدأت شريحة واسعة من اللبنانيين تفقد الثقة بها، نظرًا لتجنّبها مواجهة خروقات «حزب الله» أو الأحزاب والجماعات التي تدور في فلك الحزب وبيئته، ولاستخدامها في مواجهة الطرف الأضعف.
والأخطر من كل ذلك أن إسرائيل أصبحت هي المستفيد الأكبر من كل ما يجري في سوريا، بما فيه تدخل «حزب الله»، فقد نقل عن معلّق الشؤون الاستخبارية في جريدة «معاريف» الإسرائيلية يوسي ميلمان قوله إن «تكثيف التدخل الأجنبي في سوريا، يحقق هدفا استراتيجيا إسرائيليا من الطراز الأول، يتمثل في إطالة أمد الحرب، الأمر الذي يعني إرهاق جميع الأطراف بشكل يخدم في النهاية المصالح الإسرائيلية»، وتابع القول: «إطالة أمد المواجهة الدائرة في سوريا سيفضي إلى تقليص فرص تورط إسرائيل بشكل مباشر في سوريا، ما يمكّن تل أبيب من تحقيق مصالحها بصمت، ودون دفع أثمان سياسية وأمنية كبيرة».
هل يعي حسن نصر الله خطورة الموقف، أم يستمر في تحالفاته مع إيران وروسيا والنظام السوري على حساب الأمن العربي، ويتمادى في غطرسته ونرجسيته وتدور الدوائر عليه؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.
المصدر: “الشرق الأوسط”
عذراً التعليقات مغلقة