حملة إبادة عسكرية في بلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، يمارسها النظام السوري، بإسناد الإحتلالين الروسي والإيراني، وسط صمت عربي وإسلامي، إن لم يكن تواطئاً، ومباركة دولية خجولة، تتخللها بعض الإدانات التي لن تغير من الوضع المأساوي شيئاً.
المشاهد القادمة من غوطة دمشق، صادمة للغاية، يحاول الناشطون في المنطقة، نقل ما يحدث من مذابح إبادة ومجازر بالجملة، لكنهم يصطدمون بنفاق كبير من المحيط، يدفعهم ذلك للإصرار في توثيق المذابح الرهيبة لينصفهم التاريخ على الأقل.
«الإستغاثة بعد الآن لن تكون إلا لله، وليس للبشر» يرددها كثيرون بعد أن ضاق بهم الحال، أصبحت مزارع الغوطة وبساتينها أضيق من خرم إبرة.
حجم المأساة التي تشهدها الغوطة لايمكن اختزالها وتوصيفها في نص مكتوب مهما كانت الكلمات معبّرة، بيان اليونسيف بشأن المأساة الصادر بداية الحملة العسكرية حاول تجنب النص المحشي بكلمات الإدانة والإستنكار، وبدت الورقة محشوة بالسطور الفارغة باستثناء نص مقتضب جاء فيه: «ليس هناك كلمات بإمكانها أن تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم».
مايحدث اليوم في غوطة دمشق، لايمكن فصله عن المتغيرات الداخلية، وتبدل مصالح ومواقف اللاعبين الدوليين في الساحة السورية، هناك من يتحدث عن صفقة بين أطراف دولية، تتلخص في إسقاط عفرين بيد مقاتلي “غصن الزيتون” مقابل إسقاط الغوطة الشرقية بيد النظام السوري، وحلفائه، وما يعزز فرضية كهذه، تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بإمكانية تطبيق حالة حلب على حالة الغوطة، إضافة لتصريحات المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا التي قال فيها أنه لا يستبعد أن تصبح الغوطة حلبا ثانية، وقد بدأت قوافل التهجير تشد رحالها صوب إدلب خلال الأيام الماضية.
إنها لعبة المصالح التي لا تضع أي اعتبار للحالات الإنسانية، ودماء السوريين، وذرات ترابهم، وسواء كانت تركيا طرفاً في هذه الصفقة أو ليست كذلك، فالصمت التركي لا يمكن تبريره، خاصة وأنها طرف في اتفاق خفض التصعيد وضامنة لتنفيذه، والذي يشمل منطقة الغوطة، وحتى لو انشغلت تركيا، وحشرت في زاوية ضيقة عبر تحريك ورقة عفرين، فهذا لا يبرر السكوت أبداً، ربما سيكتفي الأتراك بتصريحات لا أكثر، ولن تغيّر شيئاً من واقع الجغرافيا السوداء المعجونة بالدم القاني.
المتغيرات الداخلية تبدو متناغمة مع المتغيرات الخارجية، تناحر الفصائل لا ينتهي حتى يبدأ من جديد، في غوطة دمشق تمتلك فصائل الثورة وجيش الإسلام خصوصاً، آلاف المقاتلين، والأسلحة الثقيلة، لكنها لا تمتلك استقلالية القرار، إذ إنها ترهن قراراتها للخارج، وخلال خمس سنوات من حصار الغوطة لم يرتق أداء هذه الفصائل إلى مستوى المأساة، علام يعوّل السوريون إذا كان الداخل يخذلهم أيضاً؟
بينما يواصل النظام وروسيا شن حرب إبادة في غوطة دمشق، آخر أبرز معاقل الثورة في ريف دمشق، تطلّع السوريون إلى بارقة أمل من فصائل خذلت أحلامهم، علّها تستمع لصوت الثورة، ونزعات الضمير، فتوالت الأنباء من محافظة إدلب عن اتحاد فصيلي أحرار الشام ونور الدين الزنكي تحت إسم”هيئة تحرير سوريا”، لم يستبشر الكثير بذلك، لإن الهدف الرئيس من الاتحاد لم يكن للثأر للغوطة، وقتال آل الأسد، وإنما كان لقتال هيئة تحرير الشام التي لها يد طولى في الاقتتال مع بقية الفصائل التي تراها موالية للخارج، بدأ الاقتتال بين تحرير سوريا وتحرير الشام، فلم تتحرر سوريا ولم تتحرر الشام!
خمس سنوات من الحصار الظالم على الغوطة ربما تنتهي باقتحامها، ومحو هوية الثورة من جدرانها وأزقتها، ربما تبقى بعض ذكريات الراحلين عنها منقوشة في جدرانها العتيقة، إن لم يتم تدارك الموقف.
أهل الغوطة يعيشون مأساة حمراء غير مسبوقة، صمدوا أمام كيميائي آل الأسد وقدموا 1500 شهيد في تلك المجزرة، تحملوا الحصار في أشد أيامه، خذلهم العالم، وخذلهم المسلمون، وخذلتهم فصائل المعارضة، لكن الله لن يخذلهم، الله لطيف بعباده أيها الساقطون في أوحال الإنسانية.
عذراً التعليقات مغلقة