ليس واضحاً كم هو عدد المرتزقة من الجيش الخاص الروسي “مجموعة فاغنر” الذين سقطوا في دير الزور السورية بنيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وتفيد تقارير صحيفة „Wedomosti” الروسية أن 50 مرتزقاً لفظوا أنفاسهم الأخيرة و70 جُرحوا. وأسماء تسعة قتلى على الأقل معروفة. وتحدثت وزارة الخارجية الروسية في البداية عن خمسة قتلى. وجاء لاحقاً في بيان أن “عشرات” المواطنين من روسيا ودول أخرى من الفيدرالية الروسية جُرحوا وقُتلوا، وأنهم تواجدوا “بمحض إرادتهم ولنوايا مختلفة” في سوريا. وهاجم التحالف المناهض لـ”داعش”، حسب ما صرح به، الوحدات الحكومية التابعة لبشار الأسد دفاعاً عن النفس.
من دونباس إلى سوريا
الكثير من أعضاء “مجموعة فاغنر” كانوا يقاتلون في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا. فلاديمير جفيموف، مدير مؤسسة قدماء المحاربين في وحدات خاصة بمدينة Swerdlowsk الروسية، يقول بأن المرتزقة في الغالب ضباط جيش وضباط خفر سواحل ورقباء. وبعضهم عملوا بعقد من وزارة الدفاع وأرسلوا كجنود إلى سوريا. “ومن لم يتم تجنيده لأسباب التقدم في السن أو الإعاقة، ذهب إلى الجيش الخاص”، كما يذكر جفيموف، ويضيف أن الدافع ليس المال، بل تكون الرغبة في المغامرة.
وهذا ما يوافق عليه رسلان ترنافسكيخ الذي كانت له علاقة صداقة مع إيغور كوستوروف البالغ من العمر 45 عاماً، الذي مات في سوريا. وكان قد قاتل معه في السابق في دونباس. ويقول رسلان ترنافسكيخ إن كوستوروف ذهب بقناعة وطنية إلى سوريا. “بالطبع الجيش الخاص ليس وحدة حكومية، لكن الجميع ظنوا أنه سيتعاون مع الجيش الروسي. والمال كان مكافئة مرحباً بها للمخاطرة، لكن الشباب لم يذهبوا من أجل ذلك إلى هناك”، كما قال ترنافسكيخ الذي أكد أنه لو لم يكن التدخل في سوريا عملية تخدم مصالح روسيا، لما شارك فيه 99 في المائة من الرجال.
مهمة سرية
30 رجلاً على الأقل من “مجموعة فاغنر” منحدرون من منطقة Swerdlowsk. و20 منهم كان يعرفهم مدير المؤسسة جفيموف شخصياً. وترك المرتزقة رقم هاتفه عند زوجاتهم في حال لم يقدروا على الاتصال من سوريا. وكشفوا القليل لزوجاتهم، لأنه وجب عليهم توقيع تعهد بالتزام السرية. وفي عام 2017 سافرت مجموعة كبيرة من الرجال لمدة شهر إلى معسكر تدريب، كما ذكر جفيموف. هناك وجب عليهم ملئ استمارات والخضوع لفحوصات نفسية. ثم سافروا إلى سوريا ومكثوا هناك سنة ونصف. جميعهم نجوا من الموت، غير أن البعض أصيب بجراح، وعادوا جميعهم “كرجال أثرياء”، كما يقول جفيموف ويضيف: “بعضهم سدد ديونه، وآخرون فعلوا أشياء أخرى”.
وكان مقرراً أن يبقى المرتزقة حتى منتصف شباط/فبراير في بيوتهم. لكن ومنذ الـ 28 من كانون الثاني/يناير انطلقوا مجدداً إلى سوريا. “حتى الـ 8 من شباط/فبراير كانت تصل من عندهم على الأقل رسائل قصيرة على الهاتف الجوال. ثم انقطع الاتصال. والآن تتصل بي نساؤهم هاتفياً باكيات”، يقول مدير مؤسسة قدماء المحاربين. وهناك تواصل فقط مع رجل واحد من بين الرجال الـ 30، وهو يرقد في مستشفى عسكري في روستوف في جنوب روسيا. ويقول جفيموف:” أخذوا منه الهاتف، لكنه وجد هاتفاً آخر واتصل بزوجته“.
تعويضات لعائلات المرتزقة
أقارب أعضاء “مجموعة فاغنر” يعيشون في حيرة. فليس بوسعهم التوجه لوزارة الدفاع، لأن المرتزقة لا يُعتبرون رسيماً جنوداً والعمل كمرتزق محظور. ولهذا السبب تتهرب منظمات حقوق الإنسان التي تدافع أصلاً عن الجنود. فهي تقدم في أقصى الحالات مساعدة نفسية.
إضافة إلى ذلك فإن عائلات المرتزقة الموتى أو الجرحى هي في الغالب فقيرة. وهي تخشى أن تخسر التعويضات المستحقة من قبل الجيش الخاص. وتتذكر نتاليا شوكوفا من “لجنة أمهات الجنود” في نيشني نوفغورود أنه “مقابل ميت واحد تُدفع خمسة ملايين روبل”. وهي لم تسمع بمبلغ حوالي 70.000 يورو لأول مرة إلا من والدة مرتزق توفي في سوريا يبلغ من العمر 30 عاماً. وتمكنت الوالدة من إحضار جثمان ابنها ودفنه في روستوف. كما أنها حصلت على تعويض من الجيش الخاص. وعلى الرغم من ذلك توجهت إلى “أمهات الجنود” وطلبت الكشف عن ملابسات مقتل ابنها. “لكننا لم نجد أحداً يقدم لنا المساعدة”، تتأسف شوكوفا.
أين هي جثث المرتزقة؟
تحريات الدويتشه فيله كشفت أنه منذ الـ 7 من فبراير لم يتم تحويل جثمان واحد إلى أقارب المرتزقة المقتولين. ويفترض نشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان أنه قد تكون الجثامين من سوريا قد نُقلت إلى مركز الإيواء في روستوف. وهو الأكبر من نوعه في روسيا. وهناك يمكن إجراء تجارب الحمض النووي. وتم تشييد تلك المستودعات الكبيرة بمبردات لـ 400 جثة خلال حرب الشيشان الثانية.
وتقول نتاليا شوكوفا:” إذا لم نكن أقارب لجندي رسمي، فإنه لا يُسمح بدخول الرواق”. وتشرح فالينتينا ملنيكوفا، رئيسة “اتحاد لجان أمهات الجنود في روسيا” بالقول: “مرتزقة قتلى أو جرحى يمكن البحث عنهم فقط كمواطنين روس عاديين يتواجدون في الخارج، إذن عبر القنصليات ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية”. فالمعاملة تكون مثل التعامل مع جثث سقوط الطائرات. وتخشى ملنيكوفا أن لا تكون الجثث قد استُخرجت من سوريا، وتشير الناشطة في حقوق الإنسان أنه “في دونباس كانوا على الأقل يُدفنون في الغالب مباشرة في عين المكان”.
عذراً التعليقات مغلقة