جاء إسقاط طائرة حربية روسية فوق إدلب السبت الماضي، بعد الهجمات التي تعرّضت لها قاعدة حميميم مطلع العام بطائراتٍ من دون طيار، ليعزّز مخاوف موسكو من سياسة أميركية جديدة، تهدف الى قلب الأوضاع الميدانية والسياسية في سورية، أو على الأقل رفع كلفة التدخل الروسي فيها، وإفساد أي مظاهر احتفالية عشية انتخابات رئاسية، يريدها الرئيس بوتين تفويضا شعبيا لحكم مطلق في مرحلة مفصلية من تاريخ روسيا المعاصر.
يؤكد الروس أن طائرتهم أسقطت بصاروخ محمول على الكتف، ويتخوفون من أن ظهور هذه المنظومة لأول مرة في الحرب السورية قد يؤشر إلى أن واشنطن ربما اتخذت بالفعل قرارا بتحويل سورية إلى أفغانستان روسية جديدة، كابوس يقضّ مضجع بوتين، ويقضي حتماً على مشروع استعادة مكانة روسيا الدولية.
هشاشة موقف الرئيس بوتين، واستعجاله فرض حل يحفظ له مكتسباته السورية من الضياع، مع استشعار هجمة أميركية مضادة، لم تكن أكثر وضوحا منها في مؤتمر سوتشي الذي تخلى الروس دفعة واحدة عن كل الأهداف التي أرادوها من عقده، لكن ذلك لم يكن سببه مقاطعة الهيئة العليا للمفاوضات، أو عودة المعارضة التي علقت في المطار، فحشد هذا العدد من المدعوين (1711 شخصا تجمهروا في قاعة المؤتمر) لم يكن أبدا بغرض التفاوض أو حتى الحوار، فلا التفاوض يجري بهذه الطريقة، ولا الحوار يكون بهذا العدد أو بهذه النوعية من الحضور.
كانت الغاية حشد أكبر عدد من السوريين (بعضهم لا يدري لماذا حضر أو لماذا تمت دعوته أصلاً) لتخريج اتفاق تم التوصل إليه مسبقاً من خلال مسارين تفاوضيين: الأول بين الدول “الضامنة” (روسيا وتركيا وإيران)، والثاني، وهو الأهم، جرى مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، وفرض من خلاله الأميركيون شروطهم في سوتشي.
أما الاتفاق الذي لم تم التوصل إليه بين “الضامنين” الثلاثة، فنص على تحاصص قائمة الأسماء المرشحة لعضوية لجنة الدستور المولجة وضع دستور جديد، تمهيداً لانتخابات رئاسية يبدو أن هناك توافقا إقليميا – دوليا على اعتبارها الحل السياسي لمعضلة شرعية التمثيل والحكم في سورية، بحيث تقدم كل دولة 50 مرشحاً من “جماعتها”.
وهذا يعني أنه سيكون لروسيا وإيران ثلثا أعضاء اللجنة العتيدة، ما يسمح لهما بالسيطرة عليها، لكن الأمور لم تجر هكذا. هنا حصل التدخل الأممي المدفوع أميركيا ليغير اتجاه المؤتمر ويتحكم بنتائجه.
مع مقاطعة الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي رفضت حضور سوتشي حتى بصفة مراقب كما كانت تفعل في مسار أستانة، والضغط الفرنسي – الأميركي على الهيئة العليا للمفاوضات للمقاطعة، وصدور بيان اللجنة الخماسية بعد اجتماع باريس يوم 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي حدد أسس الحل وتفاصيله، بما فيها المطلوب تعديله في الدستور، قرّرت الأمم المتحدة أنها لن تحضر هي الأخرى، فسقطت آخر ورقة توت لازمة لستر فشل المؤتمر. ولأن بوتين يريد “سوتشي” الذي جرى تأجيله مرتين قبل ذلك، قبل مهرجان الانتخابات الرئاسية الروسية في 18 مارس/ آذار المقبل، دخلت موسكو في مفاوضات صعبة مع الأمم المتحدة لإنقاذ المؤتمر.
فرض الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، شروطه (الأميركية) على وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وكانت ثلاثة: أن يعقد “سوتشي” مرة واحدة، وأن لا يتحول مساراً تفاوضيا جديداً على غرار أستانة، أن تضطلع الأمم المتحدة بتحديد مرجعية وآليات عمل واختيار أعضاء اللجنة الدستورية من بين الأسماء التي ترشحها الدول “المتحاصصة” الثلاث، ومن غيرهم، على أن يكون عددهم بين 45 و50، بينهم خبراء ومختصون قانونيون. وأخيرًا أن تشارك الأمم المتحدة في صياغة بيان سوتشي، على أن يتضمن المبادئ الـ 12 التي قدمها المبعوث الأممي في جولتي التفاوض الأخيرتين بين النظام والمعارضة.
وافق الروس، صمت الإيرانيون، حضرت الأمم المتحدة، وانعقد المؤتمر. إنما باتت تتجمع لدى بوتين معطيات بأن الحرب في سورية لم تنته بعد، وأنه ربما استعجل إعلان النصر من حميميم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فكل المؤشرات تدل على أن الأميركيين ذاهبون باتجاه تصعيد فعلي مع الروس خلال العام 2018.
عذراً التعليقات مغلقة