ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
ناقشت “جنيفير كارفيللا” الباحثة في الاستخبارات في معهد دراسة الحرب، السياسة التي يتبعها ترامب في سوريا. وأشارت في مقالتها في صحيفة “فوكس نيوز” الأميركية إلى إدارة ترامب قد ورثت وضعاً سيئاً في سوريا، إلا أنها قادت الأمور لتصبح أكثر سوءاً. وترى “كارفيللا” أن التوصيف الأقرب للوضع يتجلى في حقيقة أن تركيا – حليفة الناتو – طلبت الإذن من خصم الناتو الرئيسي – روسيا – لشن هجوم على الشريك المحلي لأميركا في سوريا على الرغم من الضغط الأمريكي لمنع حدوث هذا الهجوم.
وترى “كارفيللا” أن الوقت قد حان للقيام بأكثر من محاولة إدارة هذه الأزمة، وإعادة التفكير في السياسات الأساسية التي جعلت الأمور تصل إلى هذه النقطة.
وألقت “كارفيللا” الضوء على الجانب المشرق من السياسة التي تتبعها إدارة ترامب، موضحة أن الأخيرة تمتلك أفكاراً جيدة، مثل تحويل التركيز عن سياسة المحور الواحد – محاربة داعش فقط – كما في عهد أوباما، وتوسيع السياسة الأمريكية لمحاربة داعش، ورفض الاعتراف بالوجود الإيراني في سوريا بنفس الوقت.
وترى “كارفيللا” وهي مؤلفة مشاركة في “جبهة النصرة وداعش: مصادر القوة” (شباط / فبراير 2016) و “قوات المعارضة المسلحة السورية في حلب” (شباط / فبراير 2016)، فضلاً عن كتاب “جبهة النصرة في سوريا: الإمارة الإسلامية لتنظيم القاعدة “(ديسمبر 2014)، أن البيت الأبيض في عهد ترامب بدأ يعتقد أن إيران تشكّل تهديداً رئيسياً، وتعّهد شفهياً بمغادرة بشار الأسد للسلطة، كما يدعي بأنه يعطي أولوية لإصلاح العلاقات مع تركيا، ويسعى لتدمير القاعدة، ويريد إعادة تركيز الولايات المتحدة على الكارثة الإنسانية في سوريا.
وترى “كارفيللا” أن هذه هي الأهداف الصحيحة التي ينبغي على السياسة الأمريكية السعي لتحقيقها. معتبرة أن هذه السياسات في الواقع هي الحد الأدنى من الأهداف الأساسية التي يجب على الولايات المتحدة تحقيقها لتأمين مصالحها الوطنية الحيوية في الشرق الأوسط من جهة، وكجزء من استراتيجية عالمية من جهة أخرى. إلا أن المشكلة تكمن في أن تصريح لوزير الخارجية “ريكس تيلرسون” بأن هذه الأهداف لن يتم تحقيقها، وترى “كارفيللا” بأنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تسرع في تغيير استراتيجيتها لتحقيق أهدافها السياسية في خمسة مجالات رئيسية :
1- القواعد العسكرية الروسية : منحت الإدارة الأميركية ضمناً لبوتين الشيء الأهم الذي سعى إليه في سوريا، وهو القواعد البرية والبحرية الروسية الدائمة في شرق البحر الأبيض المتوسط. حيث أن هذه القواعد تجبر الناتو على وضع خطط جديدة للسيناريوهات التي تتضمن تحركاً روسياً لمنع الوصول إلى الطرق البحرية الرئيسية والمجال الجوي فوق شرق المتوسط. وستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى قوات جوية وبحرية مستعدة للدفاع عن شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي كان يعتبر بحيرة حلف شمال الأطلسي لأكثر من 25 عاماً. قد لا يكون التنافس على هذه القواعد هدفاً مناسباً على المدى القريب، لكن رفض الإدارة التصريح بأن هذه القواعد غير مقبولة يعد قبولاً ضمنياً لأحد أهم الانتكاسات الجيوستراتيجية منذ نهاية الحرب الباردة.
2- قبول بشار الأسد : إن السياسة الأميركية في سوريا هي قبول بشار الأسد و نظامه بحكم الواقع، بغض النظر عن أي تصريحات صارمة للإدارة حول ذلك. وأشار “تيلرسون” إلى أن نشر القوات الأمريكية المستمر في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (SDF) يضع الولايات المتحدة على طريق رحيل الأسد، وفي الواقع العكس هو الصحيح. حيث أن وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG) التي تسيطر على قوات سوريا الديمقراطية، تبسط سلطتها على الأراضي في شمال وشرق سوريا فقط، بعيداً عن قلب سوريا الذي يهم المعارضة والنظام. كما أنها لم تقاتل النظام بشكل فعلي ولم تكن تنوي تنحية الأسد حتى قبل أن يقرر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” تفكيكها بالقوة.
3 – خفض التصعيد في سوريا : إن اتفاق خفض التصعيد الذي وقعه ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني مع روسيا، هو ليس استسلاماً لروسيا فحسب، بل ولإيران أيضاً. حيث وعدت روسيا في ذلك الاتفاق بإجبار إيران على سحب قواتها من جنوب سوريا، إلا أن ذلك لم يحدث مطلقاً. كما أن القوات الموالية للنظام تنتهك اتفاق خفض التصعيد دون أي عقاب.
4- عملية السلام : لقد كانت العملية الدبلوماسية في سوريا مهزلة منذ عام 2015. لم يعزم الأسد على منح معارضته تنازلات جديّة، ولم تفعل الولايات شيئاً لإجباره على القيام بذلك. وقد عززت روسيا المسار الدبلوماسي لإبقاء الأسد في السلطة وقابل ذلك مقاومة أمريكية محدودة. ويبدو أن الهدف الأمريكي هو الانتخابات، إلا أن بوتين سيحرص على فوز الأسد بها.
5- إيران والقاعدة : يستخدم “تيلرسون” مصطلحات غامضة مثل “منع أحلامهم” في سياق وصفه للاستراتيجية الأمريكية ضد إيران في سوريا. ولم يوضح “تيلرسون” أي هدف واضح يمكن من خلاله قياس نجاح الولايات المتحدة. وقال أنه يجب على الولايات المتحدة توجيه “هزيمة دائمة” للقاعدة، إلا أن وزارة الدفاع لم تقدّم أي رؤية لكيفية حدوث ذلك.
وتعتبر “كارفيللا” أن الجانب الجيد في الأمر هو أن الولايات المتحدة تحقق النتائج المرجوة عندما تعمل بتوافق مع الواقع. فعندما قام الرئيس بتوجيه صواريخ رداً على استخدام نظام الأسد لغاز السارين ضد المدنيين في نيسان / أبريل 2017، لم تحدث هجمات أخرى بغاز السارين. ولكن حتى هذا النجاح يعد نسبياً، حيث مازال نظام الأسد يستخدم بشكل روتيني المواد الكيماوية ضد المدنيين في المناطق التي لا تغطيها اتفاقيات جنيف بشكل صارم.
وترى “كارفيللا” بأنه يجب على الولايات المتحدة أن تواجه الواقع في سوريا ، وأن تدرك التهديد الذي تشكله روسيا، وتعترف بحدود شركائها الحاليين على أرض الواقع. كما يجب أن تنفذ استراتيجية حقيقية ضد تنظيم القاعدة وإيران، وأن تدرك قيمة العمل الأمريكي مقابل التصريحات الأمريكية.
لقد سعت إدارتان إلى الاستعاضة بالكلام عن العمل وإلى الاستعانة بمصادر خارجية للمصالح الأمريكية بدلاً عن الشركاء المحليين. يجب على الولايات المتحدة التخلي عن هذا النهج والاعتراف بأهمية سوريا للأمن الأمريكي. إن تحقيق أي نتيجة في سوريا ستستغرق وقتاً طويلاً ونضالاً صعباً، ويجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للتعامل مع ذلك. لقد حان الوقت للتركيز على ذلك وتكريس الموارد له والاستعداد للقيام بذلك على المدى الطويل.
عذراً التعليقات مغلقة