من المبكر إطلاق الأحكام حول مايجري في إيران من مظاهرات واحتجاجات ضد حكومة طهران فالشعب الإيراني شعب عقائدي مؤمن حتى النخاع بعقيدته، وهذا الإيمان كان المفتاح والمدخل لنجاح الخميني في ثمانينات القرن الماضي في الانتصار على الشاه وإسقاط حكمه.
هذا الأمر يجعل من الصعب – حتى اللحظة – إطلاق صفة الثورة على تلك المظاهرات، فالثورة هي حركة نقل المجتمع من حالة باتت تشكل عبئاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً إلى حالة جديدة يرتضيها الشعب، وفي حالة الشعب الإيراني وبعد مرور ستة أيام على انطلاق مظاهراته، فإن المحرك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي الخانق الذي فرضته الطغمة الحاكمة عليه، ليبقى تحت سيطرتها.
وحتى لو تطورت الشعارات إلى شعارات سياسية، من قبيل “الموت لروحاني” و “الموت لخامنئي” إلا أنها في الواقع تصب في رفض سياسات الحكومة ومرشدها الروحي، وبالتحديد السياسات الاقتصادية التفقيرية للشعب، فشعار “لا غزة ولا لبنان” هو شعار يعكس مضموناً اقتصادياً في حقيقته، وحتى اليوم لم نسمع شعارات ضد النظام “الإسلامي” الشمولي الحاكم، بل أن أحداً من الإيرانيين لن يجرأ على رفع شعارات تخص العقيدة الأساسية للشعب الإيراني والمتمثلة بقضية “المهدي المنتظر”، وحتى المعارضة الخارجية لم تفعل ذلك سابقاً، وحين تفعل ذلك يمكننا إطلاق صفة الثورة على الأحداث الجارية في إيران، علما أننا كشعب سوري أو شعوب تتوق للحرية والديمقراطية نمني النفس بأن يفعلها الشعب الإيراني ويفجر ثورته ضد نظام الحكم المبني على عقيدة دينية أساسية لمذهب إسلامي تتجاوز نسبة معتنقيه في إيران الـ 70 بالمائة من الشعب، ليكون عبرة لبقية شعوب المنطقة.
وانطلاقا من هذه الوقائع نتريث بالحكم على تلك الاحتجاجات حتى تثبت فعلا أنها تسير باتجاه ثورة حرية وكرامة، ثورة ضد نظام حكم ديكتاتوري قمعي مبني على عقيدة شمولية ذات بعد ديني.
إن الثورة السورية – وإن خطف تمثيلها وشعاراتها الإسلاميون – إلا أنها في الواقع قامت ضد نظام حكم شمولي ديكتاتوري، نظام فساد وإجرام، لذلك كانت شعاراتها ومنذ اليوم الأول شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية ومدنية الدولة، وإن كان انطلاقها من الجوامع فهذا لا يلغي صفات الديمقراطية والحرية عنها، ولو لم يسارع النظام لإيقاف مباريات كرة القدم لكانت ملاعبنا هي منابر الثورة السورية.
إن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في مظاهرات إيران، لجهة اثبات حقيقة ما يجري على الأرض، هل هو ثورة شعب حقيقية لنقل المجتمع من حالة النظام الشمولي الديكتاتوري إلى مجتمع ديمقراطي مدني، أم أنها مجرد مظاهرات واحتجاجات ضد الجوع ومن أجل الخبز!
فإن كانت احتجاجات الشعب ثورة حرية وديمقراطية فسيكون لها صدى ونتائج قد يفوق تأثيرها صدى الثورة الفرنسية، فالشعب الإيراني يملك إرثاً ثقافياً وحضارياً له عمق تاريخي موغل بالقدم، مما سيؤثر على شعوب المنطقة برمتها، وسيحولها من مستنقع الاستبداد إلى واحة جديدة للحريات والديمقراطية في العالم.
قادمات الأيام سيتابعها العالم برمته بعيده وقريبه بمزيد من الترقب والحذر والتمني!
عذراً التعليقات مغلقة