كلما استمر القتال في سورية أصبحت خريطة الصراع أكثر صعوبة وتعقيدًا. قرّر سوريون ولاجئون كثيرون البحث عن ظروفٍ أفضل وحياة أفضل للعيش، والسبب الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين، في حملهم على الفرار وتحمل مخاطر الرحلة إلى أوروبا، أنه لا توجد أي علامات لانتهاء الحرب فيها، واللاجئون في البلدان المجاورة يفقدون حاليًا الأمل في أن يتمكّنوا من العودة.
داخل سورية، يستمر الوضع في التدهور، مع كثافة الاشتباكات في جميع المناطق، الاقتصاد والخدمات في حالة انهيار عام، يقود ذلك مزيدا من الناس إلى الرحيل، ولايزال هذا الانهيار يؤثر عميقًا على الذين هربوا بالفعل إلى الدول المجاورة. كما أن وضع اللاجئين في دول الجوار أصبح أكثر صعوبة وغير إنساني في حالاتٍ كثيرة، وكثيرون منهم مقتنعون بأن المخاطرة والعبور إلى أوروبا قد تيسر مستقبلا أكثر إشراقا لأبنائهم.
في جميع البلدان المجاورة التي يقيم فيها اللاجئون السوريون، لا يسمح للاجئ بدخول سوق العمل رسميًا، ويواجه عقوبات إذا تم القبض عليه. في الأردن، على سبيل المثال، يواجه خطر الإعادة إلى المخيمات. وفي لبنان، يضطرّون إلى توقيع تعهد بعدم العمل، إذا كانوا يرغبون في تجديد إقامتهم.
ينظر المجتمع الدولي اليوم إلى الأزمة السورية على أنها ثلاث أزمات منفصلة: الإرهاب: بروز التنظيمات الإرهابية في سورية واتخاذها ملجأ آمنا، مثل داعش والقاعدة. اللجوء: فرار لاجئين كثيرين إلى دول الجوار وعبورهم إلى أوروبا. الانتقال السياسي: الحاجة إلى استقرار سياسي ينبع من أهمية تحقيق الانتقال السياسي الذي يتيح للسوريين اختيار رئيسهم ونظامهم السياسي بحرية. وللأسف، يركز المجتمع الدولي اليوم على الأزمتين، الأولى والثانية، في حين يترك الثالثة للمفاوضات السياسية التي لم تحرز جولتها الثامنة في جنيف أخيرا أي تقدّم على الإطلاق، كما سابقاتها في أربع سنوات.
اليوم وبعد مرور سبع سنوات تقريباً على بداية الثورة السلمية في سورية، تظهر الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى رسم خطة استراتيجية كبرى، تربط هذه الأزمات الثلاث معاً، وتدرك أنه لن تكون هناك إمكانية للقضاء على الإرهاب في سورية بشكل كامل، وعودة ملايين اللاجئين من دون دفع عجلة الانتقال السياسي، وممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية، وحتى العسكرية، على نظام الأسد من أجل تحقيق هذا الانتقال.
لا بد من تحقيق انتقال سياسي كامل في سورية، ينقلها من نظام تسلطي طائفي إلى نظام ديمقراطي تعدّدي غير طائفي، يعتمد على مبدأ المواطنية ومساواة كل السوريين أمام القانون. ولذلك، ربما يحقق النظام البرلماني هذه الأهداف بالشكل الأمثل في سورية اليوم. كما لابد من خروج كل المليشيات الأجنبية والطائفية، ممثلة في القاعدة و مليشيات حزب الله والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها ومع نظام الأسد (زينبيون وفاطميون وحركة النجباء العراقية).
بالتأكيد، زاد التدخل الروسي العسكري اليوم الأمور تعقيداً في سورية، فروسيا لم تعد داعما لنظام الأسد أو راعيا له، وإنما أصبحت مالكة له. وبالتالي عليها “إنقاذ سورية” من أجل الخروج بشرف وكرامة من تدخلها العسكري، إذ تدخلت روسيا في كل الأماكن، مع تركيز عسكري وقوة نارية هائلة ضد المعارضة السورية المسلحة، بما دعم نظام الأسد، وشجّعه على الاستمرار في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وإجبار الأهالي على الخروج من مدنهم ضد رغبتهم من مدنٍ، مثل حلب وداريا ومضايا، وجديدها كان حي الوعر في حمص. إنه اتفاق تهجير قسري ضد القانون الإنساني الدولي، وليس اتفاقا لحماية المدنيين.
هل هناك حاجة لروسيا كي تستنفد كل هذه الموارد المالية والعسكرية والسياسية في الدفاع عن نظامٍ من المستحيل عليه الاستمرار بطريقة سياسية أو قانونية؟ استمرار هذا النظام يعني استمرار الحرب السورية إلى مالا نهاية، ولن يشعر اللاجئون السوريون الذين يزيد عددهم اليوم على سبعة ملايين لاجئ، بالأمان، من أجل العودة إلى سورية، طالما أن طريقة حكم الأسد في القتل والتعذيب والبراميل المتفجرة مستمرة في حكم ما تبقى من سورية.
ولذلك، يمكن تصور ضمان تحقيق الانتقال السياسي من خلال الضغوط العسكرية على نظام الأسد، ممثلة في المناطق الآمنة التي ستجبر الأسد على الرضوخ بجدية إلى مطالب المفاوضات السياسية.
عذراً التعليقات مغلقة