على مستويات عديدة، جاءت صدمتنا بالنتائج الأولية للحدث الذي جرى على أرض مدينة جنيف أثناء انعقاد المؤتمر الثالث المعني بحل “الأزمة” السورية..
رغم سقف طموحنا المتدني إلا أن المسرحية التي ساقونا إلى متابعتها كانت مجحفة إلى حد يفوق خيباتنا..
المستوى الأول: صدمتنا أمام أنفسنا إذ لا زلنا نصدق عالَمَاً لا يلقي لبؤس الضعفاء البعيدين عن جغرافيته بالاً، وبالتالي لا يحمل صناع القرار هناك حلولاً أو خططاً من أجل خلاصنا..
العد حتى ثلاثة قبل أن نذكر جنيف كان له بريقٌ خاصٌ، ربما اعتمدنا لا شعورياً على ما يقوله المثل الشعبي “التالتة ثابتة”، أو ربما خدعتنا الاجتماعات التي سبقت وحضَّرت لجنيف، كقمة الرياض، بما جمعته من دول عظمى توعدت بتوفير سبل عملية..
كانت رغباتنا في النجاة طاغية على ذاكراتنا، وعلى يقيننا بفشل هذه الأشكال من المؤتمرات الدولية التي لم تجلب للدول العربية، مذ مشت في كوريدوراتها، إلا الخراب.. خفتت الأصوات المعارضة لحضور جنيف. ربما خجل معارضوا الذهاب من أنفسهم حين لم يستطعوا مواجهة الأقلام المسنونة التي وبختهم لعدم اكتراثهم بدماءٍ ستحقنها فنادق سويسرا.. خاف المعارضون، وخفنا جميعاً، من مواجهة نتائج عدم المضي لجني حلول جنيف المفترضة. أفهمونا أن رفض الانصياع يعني أن لا حل إلا القتال، وأن تعليق جنيف أو إلغاءه سيستوجب بالضرورة وقف الهدنة التي خفضت أعداد الشهداء من السوريين..
الهدنة هي العنوان الذي لم يتنازل عنه المجتمع الدولي حتى الآن، ولا زال يملك إمكانية الاختباء وراءه، رغم لعلة أصوات الرصاص في ريفي دمشق واللاذقية، وقرب انهيار جدار الصبر في حلب.
المستوى الثاني: كان صدمتنا بصلابة تحالفات النظام.. نعلم أن للنظام فروعاً وأذرع إقليمية وعالمية تنعش وجوده وتمده بأسباب القوة.. ولن نكرر تأثير كيان اسرائيل على العالم الغربي في تحالف ضمني ناجم عن تواطؤ نظام الأسدَين مع الكيان العدو والمحافظة على حدود هادئة معه طيلة عقود. لكن الاستماتة التي أبداها الحلفاء كانت غريبة حد الصدمة، خاصة عندما نتذكر مرونة المعارضة في التعاطي والتساهل مع حلفاء النظام، بالتحديد موسكو، منذ تشكيل أول جسم معارض “المجلس الوطني”.. حينها وعدت هيئة منتدبة عن المعارضة ترأسها الدكتور برهان غليون المسؤولين الروس بالحفاظ على مصالحهم القائمة في سوريا، في إشارة إلى القاعدة الروسية على شاطئ طرطوس الدافئ.. أما بالنسبة للعلاقة مع اسرائيل فقد تكررت عبارات مسؤولة في المعارضة أن الحال سيبقى على ما هو عليه.. لكن كل ذلك لم يجدِ نفعاً، وحافظت صلات هؤلاء مع نظام الأسد على متانتها.. ربما خدعنا الروس عندما سحبوا قسماً من قواتهم، فشوشوا على سوء ظننا بهم، واستبدلوه بإيهامنا أن نوايا حميدة يمكن أن يكنوها لهذا الشعب الطيب.. وربما خدعتنا لهجة بعض مسؤولي اسرائيل العالية أثناء تحذيرهم للأسد..
المستوى الثالث: الصدمة بانحسار الدور الأمريكي في المنطقة الذي وصل حد اللامبالاة.. نفهم أن العلاقات الدولية تُبنى على المصالح بالدرجة الأولى، ولسنا واهمون بصدقية شعارات الغرب المدافعة عن الحقوق الانسانية في الحرية والكرامة.. لكن ما جرى في ليبيا، وقبلها في العراق، جعلنا نعتقد أن المجاهرة الفاحشة بالإجرام، التي يبديها نظامٌ ما، لن يستطيع العالم المعاصر غض الطرف عنها، وأن كاميرات الجوالات ومقاطع الفيديوهات الملتقطة بواسطتها ستحرج العالم وتجعله يسير بدرب إيجاد الحلول..
كان اعتماد حالة التسول التي مشى فيها معارضو النظام من الأسباب المهمة لاستقواء الأسد عليهم.. وهنا مهم أن نذكِّر بمكر الأسد حين حاصر معارضيه بالتهديد حيناً وبالإرهاب أحياناً فخيرهم بين أن يلتجئوا إلى دول ترعاهم، وبالتالي تتحكم بهم وتفرض امتثالهم لبروتوكولات دولية لا تُجدِي نفعاً، وبين أن يبقوا في الداخل، كرهائن، يحتاجون لعمليات خطاب ذهني مطولة قبل إعلان إدانة مجزرة قام بها الشبيحة، أو حتى المطالبة بحرية معتقل مظلوم..
عذراً التعليقات مغلقة