يضع الإقليم في أولوياته أموراً معقدة ومزدحمة، ويتراجع الاهتمام في الرحلة الدبلوماسية لإنهاء الكارثة السورية التي استهلكت، حتى الآن، سبعَ جولات في جنيف، وثلاثاً في أستانة، وعشرات المؤتمرات الصحافية، وأميالا جوية كثيرة قطعها ستيفان دي ميستورا في أجواء الحل..
الحرب على الإرهاب تأخذ الحيز الأكبر من الاهتمام، وهي عنوان يتقدم على أي جهد، ويعرض نظام الأسد نفسه مساهماً فعالاً فيه، من خلال إعلامه الحربي الذي لا يكفّ عن بث مقاطع تُظهر سيطرة جحافله على مزيد من المساحات والقرى الواقعة على طريق دير الزور. يظهرُ طرفٌ آخر في المعادلة متمثلاً بقوات سورية الديمقراطية التي تستحوذ على نصيبها من الأراضي وحقول الغاز والنفط، بما يشبه تقاسم الأسلاب مع جيش النظام في تكتيكٍ متناغم، ويجعل استفتاء إقليم كردستان المعادلة أكثر صعوبة، فهو الأمر الذي سيتيح تدخلاً أكبر من إيران، بسبب تلاصق حدودها مع كردستان العراق. وخشيةً من مكونها الكردي الذي تسعى، مثل تركيا، إلى عدم إثارته.
في هذا الظرف الذي يشبه الجلوس في وهج الشمس، تقف إدلب بلا مظلة، تحت حملة قصف منتظمة ويومية وكثيفة، حصدت حتى الآن عشرات المدنيين، على الرغم من اتفاق “خفض التصعيد” الذي شملها، وتم توقيعه في آخر نسخة من نسخ أستانة.
سقطت إدلب بسرعة في يد قوات معارضة متنوعة، بعد أن تراجعت عنها قوات النظام بما يشبه التخلي، والتخلي سياسة دأب النظام على تطبيقها في إدلب في كل مراحل حربه على الشعب السوري. وهو الآن، بمساعدة أو ربما بتحريض روسي، يقصف تجمعاتها السكنية الرئيسية، ويتقصد المشافي ومراكز التنمية، وهي طريقة يتبعها النظام، عندما ينوي مهاجمة مدينةٍ ما، فيبدأ ضرب بنيتها التحتية حتى تخرج من الخدمة. يمكن أن تطول عمليات القصف المنظم كثيراً، حتى تصبح أقرب إلى العادة “العلنية”، وحين يصبح المدنيون أشبه بالعراة تهجمُ قوات النظام، وهي تمارس ساديتها على الشجر والحجر والإنسان. قد لا يكون الهدف من قصف إدلب المتكرّر مهاجمتها برياً في الوقت الحالي، ولكن النظام وحليفه الروسي يصرّان على الإعلان أن حملتهما تأتي في سياق الحرب على الإرهاب، وهو الشعار الذي يمكن صرفه في أي مكان، حتى ولو كان بلا رصيد.
على الرغم من تعرّضها للكمية الأكبر من البراميل والقذائف والهجمات الكيميائية، إلا أن إدلب ما زالت تحتضن أكثر من مليوني شخص، يكنُّ لهم النظام كراهية خاصة. ولكن في حالة الهجوم البري على إدلب، قد يتحول هؤلاء إلى لاجئين، وسيكون أقرب مهرب إليهم، أو ربما المكان الوحيد المتاح، هو تركيا، وهذه لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا وجدت نفسها عرضةً لنزوح دفعة تقدر بمئات الألوف، كما قد يمنح هجوم النظام على إدلب جبهة النصرة التي تفرض سيطرة كبيرة هناك تعاطفاً كبيراً، وتختلط بطاقات الحرب على الإرهاب بعضها ببعض. لذلك من الأرجح أن الهجوم على إدلب مؤجل حاليا، لكن القصف سيستمر بتواتر مختلف، يتوقف على سير المعارك في الجبهات الأخرى، خصوصاً بعد أن ضمن جيش النظام والروس أن جبهة النصرة والفصائل الموجودة في إدلب لن يكونوا قادرين على شن هجوم كبير ومؤثر.
التخبط الدبلوماسي، وارتفاع أسهم الأسد، ونجاحات الهجوم على تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الشرقية، جعلت إدلب هدفاً سهلاً، فالهجوم الجوي يظهر انفجاراتٍ كبيرة في مبانٍ ومنشآت تقول المؤتمرات الصحافية الروسية إنها مقرات عسكرية تخص جبهة النصرة، بما قد يجعل الإعلام يتجاهل الضحايا المدنيين، ويحول إدلب كانتونا مغلقا مسيّجا بالنار، يغدو مليونا إنسان بداخله رهائنَ أو محتجزين في انتظار تغير جديد، هذا المتغير من غير المضمون أن يخفف من حجم الألم الواقع على المدني المحتجز ضحيةً كبرى لجبهة متطرفة تحكمه من الداخل، وطيران عسكري ذي تقنية عالية وحقد دفين يترصده من السماء.
عذراً التعليقات مغلقة